وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس رسالة سامية إلى المشاركين في المؤتمر الخامس للهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين ،الذي ينعقد بالدار البيضاء .
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها السيد عبد العزيز مزيان بلفقيه مستشار جلالة الملك ،اليوم الجمعة ،خلال الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر :
"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه إليكم، في افتتاح أشغال المؤتمر الخامس للهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين الذي يتزامن ومرور العشرية الأولى على تأسيس هيئتكم، منوهين بالأشواط الهامة التي قطعتها في توطيد دعائم مهنة الهندسة الطبوغرافية والنهوض بها، ولاسيما بما تم استصداره من آليات تنظيمية لتدبير شؤونها، وكذا باعتماد نهج الشراكة المثمرة والمنفتحة، مع مختلف القطاعات الإدارية والفاعلين التنمويين، والجمعيات والهيئات المهنية.
كما نود أن نشيد بما تبذله هيئتكم من جهود مخلصة، مما مكنها، بعد الانضمام إلى الفدرالية الدولية للمساحيين، من أن تنظم مؤتمرها الجهوي سنة 2003، وأن تحظى بالتقدير والمصداقية لديها، فاختارت هذه الفدرالية مدينة مراكش، لاحتضان مؤتمرها الدولي لسنة 2011.
حضرات السيدات والسادة،
لقد أولى والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، عناية خاصة لهيئتكم منذ تأسيسها سنة 1998، تقديرا من جلالته لاسهامها الفعال، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. وهو ما تجسده الرسالة الملكية التي تفضل بتوجيهها اليكم، بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول للهيئة، والتي جعلتم منها إطارا مرجعيا، ونبراسا لعملكم اليومي، في تطوير أسس ومنهجية ممارسة المهنة.
لذلك، ما فتئنا نحيط مهنتكم بوافر رعايتنا، متتبعين خطواتكم الحثيثة اعتبارا للدور الهام للمهندس الطبوغرافي في مجالات التحفيظ والخبرة العقارية والخرائطية والذي يعد ركنا أساسيا في مختلف المشاريع التنموية.
وإن اختياركم لموضوع "المشاريع الكبرى المهيكلة: أساس التنمية البشرية" ليندرج في خطتنا الاستراتيجية الهادفة إلى تهييئ الظروف اللازمة للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي ببلادنا الذي نتوخاه من خلال إطلاقنا للعديد من الأوراش الهيكلية الكبرى عبر مختلف ربوع المملكة، حريصين على المتابعة الميدانية لمراحل إنجازها، هدفنا أن نرفع من مستوى التنافسية الاقتصادية لبلادنا والارتقاء في الوقت نفسه بتجهيزاتها الاجتماعية وبنياتها التحتية الأساسية وبالتالي الرفع من مستوى مؤشراتنا التنموية والاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، فإن مشاريع من قبيل المركب المينائي طنجة المتوسط، وتهيئة ضفتي أبي رقراق، والاستراتيجية الوطنية لتنمية السياحة، ومخططات توسيع وتقوية شبكات الطرق السيارة والسكك الحديدية، والموانئ الكبرى، وكذا بناء المدن الجديدة، وبرنامج القضاء على مدن الصفيح، وتسريع وتيرة تزويد العالم القروي بالماء والكهرباء وغيرها من المشاريع، كلها تندرج في إطار رؤيتنا الشاملة والمتناسقة لإرساء بنيات تحتية تستند إلى المعايير الدولية وتنهل من الحضارة المغربية الأصيلة وثراتها الثقافي والعمراني العريق.
ومن ثم، فإن اختياركم لهذا الموضوع، ليجسد في الواقع وعيكم بدور الهندسة المساحية الطبوغرافية، في تأمين وتحسين جودة المشاريع التنموية الوطنية، وفي تقوية مستوى مردوديتها الاقتصادية والاجتماعية، من منطلق أن العقار يشكل وعاء لكل المشاريع.
ذلكم أن قانون التحفيظ العقاري الوطني قد أمن الملكية العقارية وجعل الرسم العقاري خير ضمانة لتمويل المشاريع وتسهيل الإستثمار وهو ما يستدعي اليوم تسريع وتيرة التحفيظ وتعميمه، وتيسير مساطره ، والرفع من مستوى التقنيات والمعايير المعتمدة ، لجعلها أقوى نجاعة وأكثر استجابة لدينامية التنمية الإقتصادية والإجتماعية .
وفي هذا الإطار تبرز أهمية تفعيل أنواع الشراكة بين هيئتكم ، وبين الوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية والمسح العقاري والخرائطية ، التي تعمل بشكل فعال على تطوير برامجها في هذا المجال، وكذا مع مكاتب الهندسة الطبوغرافية بالقطاع الخاص ، في مواكبة هذه البرامج الطموحة ، ورصد المزيد من الإمكانات وتضافر الجهود التقنية واللوجستية، لتوفير خرائط تتلاءم مع مشاريعنا التنموية ، من حيث المقاييس والمعطيات الحديثة وانجاز الدراسات اللازمة في آجالها المحددة .
واعتبارا لكون مجال تدخل هيئتكم لايقتصر على العقار والخرائطية فحسب ، وإنما يشمل أيضا ، مختلف المعطيات والمعلومات الجغرافية الدقيقة ، وفرزها وتحليلها ، مع الأخذ بعين الإعتبار تنوع المستعملين ، وتعدد المتدخلين ، وتباين الحاجيات ، فإنه يتعين وضع إطار لتنميط هذه المعلومات والمعطيات ، حتى يتيسر تبادلها واستعمالها وتدبيرها على النحو الأمثل .
ولضمان نهوض الهيئة الوطنية بمهامها ، في مجالات الضبط وترسيخ أخلاقيات المهنة ، والقدرة على الإستباق ، فإننا نحثكم على مد المزيد من جسور التواصل مع مختلف شركائها ، من مهندسين ، ومصالح عمومية وشبه عمومية ، وجماعات محلية ، وكذا بين القطاعين العام والخاص .
كما نهيب بكم للإنفتاح البناء على مختلف المسالك التكوينية المؤهلة لممارسة مهنة الهندسة الطبوغرافية في مواكبة للمستجدات العلمية والتكنولوجية التي تشهدها ،وذلك عملا بمبدإ انسجام المهنة مع تعدد وغنى المسالك .
وإننا لعلى يقين من أن مؤتمركم ، فضلا عما يتيحه من تبادل للخبرات ، والإطلاع على المستجدات في مجال المسح الطبوغرافي ، فإنه سيسهم في بلورة توصيات ومقترحات عملية لمختلف القضايا المعروضة عليكم ، لما فيه صالح النهوض بمهنتكم ، والإسهام في الأوراش والمشاريع المفتوحة في مختلف ربوع المملكة .
وفقكم الله وبارك مسعاكم ، وكلل بالنجاح والسداد أعمالكم .والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".