"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،
يأتي افتتاحنا للسنة التشريعية الحالية في سياق حافل بالمنجزات، مفتوح على العديد من الاستحقاقات، وواعد برفع شتى التحديات.
كما يتزامن مع آخر سنة تشريعية نيابية، واستشراف أخرى، في إطار مرحلة مطبوعة بتجديد المؤسسات.
وهذا ما يتطلب وقفة موضوعية مع الذات، بكل حكمة ورزانة. هدفنا تحصين مكتسباتنا، وترسيخ مواطن القوة في مسارنا الديمقراطي والتنموي، والتصدي لمكامن الخلل فيه.
إنه مسار شاق وطويل، لا حد لكماله. ذلك أننا نعتبر أن الديمقراطية والتنمية ورشان متكاملان، مفتوحان باستمرار. فهما أكثر من مساطر وهياكل وتجهيزات. إنهما قبل كل شيء، تعبير عن طموح وطني مشترك، وتجسيد لمذهبنا في الحكم، بمنظوره الشامل، القائم على ضمان أوسع مشاركة للمواطنين، في كل القضايا الوطنية المصيرية، والمشاريع والإصلاحات الهيكلية الكبرى.
وبفضل هذا النهج القويم تمكنا، ولله الحمد، من تحقيق إصلاحات جريئة ومكاسب مشهود بها، في القضايا الكبرى للأمة، وفي طليعتها اعتماد مدونة رائدة للأسرة، وتعزيز حقوق الإنسان في إطار المصالحة والإنصاف، وإعادة الاعتبار للأمازيغية، وتوسيع فضاء الحريات العامة، ترسيخا لدولة القانون، وإطلاق مبادرة وطنية واعدة للتنمية البشرية. وذلك ضمن منظور شمولي للنهوض بحقوق الإنسان، في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد أقدمنا على هذه الإصلاحات العميقة، من خلال ابتكار حلول متميزة وأصيلة، نابعة من إرادة وطنية خالصة، وبكل ما يتطلبه الأمر من أناة وتبصر، لإنضاجها وتبنيها من مختلف مكونات الأمة، باعتبارها تجسيدا للإرادة الجماعية للمغاربة.
وذلكم هو النهج الديمقراطي الذي سلكناه، لضمان أوسع مشاركة وطنية، وأقوى انخراط محلي، في بلورة مشروع الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية، كحل سياسي توافقي ونهائي، للنزاع المفتعل حول مغربيتها، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
وإننا لعازمون على المضي قدما في ترسيخ خيارنا الديمقراطي، الذي لا رجعة فيه، بالنظر إلى ما يمتلكه بلدنا من ضمانات جوهرية ثابتة، نحن عليها مؤتمنون، مهما تغيرت الظرفيات والأغلبيات.
ويأتي في طليعة هذه الضمانات، الإجماع الوطني الراسخ على ثوابت الأمة ومقدساتها، والتوافق الواسع حول خياراتها الأساسية.
وبفضل ما لنا من إرادة سياسية ثابتة، في توطيد صرحنا الديمقراطي، وما وفرناه من آليات مؤسسية، فقد حققنا عدة منجزات على درب تعزيز دولة الحق، من خلال إصلاحات سياسية عميقة. وهو ما جعل بلدنا نموذجا في مجال التطور الديمقراطي.
وسنواصل عملنا الدؤوب، لاستكمال كل متطلبات التجديد والتطوير والتأهيل لمنظومتنا المؤسسية، بحكمة والتزام.
فالديمقراطية الحقة ليست وصفة جاهزة، وإنما تبنى على مراحل، بالالتزام المسؤول والشجاعة ونكران الذات. إنها تقوم بالأساس، على المشاركة الشعبية، وعلى مصداقية المؤسسات، ومدى مساهمتها في تعزيز الحكامة الجيدة، وتحقيق التنمية البشرية.
وعلى الأمد المنظور، وفي أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، نود التوجه إلى كل الأطراف الفاعلة في الممارسة الديمقراطية، من هيأة ناخبة، وأحزاب سياسية، وسلطات عمومية، برسائل واضحة:
فللمواطنين أقول: إن المواطنة المسؤولة تستوجب المشاركة الإيجابية، في كل مجالات الحياة الوطنية. فالمطلوب منكم ليس مجرد الإدلاء بأصواتكم فقط، ولا النظر إلى السياسة على أنها لحظة اقتراع، أو مسألة احتراف حزبي، تحتكره الطبقة السياسية وحدها. بل المطلوب هو الانخراط القوي والمستمر في العمل السياسي الملتزم، على كل مستوياته الديمقراطية، وأوراشه التنموية .
ومن منطلق إيماننا بأنه لا ديمقراطية تمثيلية بدون أحزاب، فإننا ندعو الهيآت السياسية، وهي تخوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة، لاحترام الناخب ومخاطبته بلغة الوضوح والحقيقة، وأن تختار من هم أجدر بتحمل أمانة الانتداب النيابي، باعتبار البرلمان القلب النابض للديمقراطية، وأرفع تعبير عن الإرادة الشعبية .
كما سيكون عليها أن تتصدى في برامجها للقضايا الكبرى للبلاد، وأن تقترح لها افكارا جديدة، وآليات قابلة للتنفيذ. فالانتخابات فرصة للتباري بين البرامج والمشاريع أكثر منها تنافسا على المقاعد والمواقع. وهو ما يتطلب قيام تحالفات، كفيلة بإفراز أغلبية منسجمة، ومعارضة بناءة، ضمن مشهد سياسي معقلن وسليم .
وفي نفس السياق، نوجه حكومتنا الى مواصلة العمل على توفير كل الضمانات لاجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، وعلى تأمين شروط المنافسة الشريفة، بالتزام الحياد الايجابي، في مختلف مراحل العملية الانتخابية، والتصدي لكل الخروقات .
وإننا لندعو مختلف الفاعلين المعنيين بالعملية الانتخابية، الى المساهمة بفعالية في جهود تخليقها، والسمو بها عن المزايدات العقيمة، وعن الاستعمال اللامشروع للمال والنفوذ مع الترفع عن الحسابات الشخصية والحزبية، وجعل مصلحة الوطن والمواطنين هي العليا .
حضرات السيدات والسادة ،
مهما تكن مكاسبنا في بناء الديمقراطية، فإنها بدون اقترانها بالتنمية البشرية، ستظل مجرد هياكل صورية .
لذلك نعتبر أن التنمية البشرية، بتوفيرها لوسائل العيش الكريم، هي خير دعامة لتحقيق الديمقراطية. كما أن الديمقراطية، بتعميقها للوعي بالالتزام الوطني، تعد تنمية سياسية فعلية تساهم في النهوض بالتنمية البشرية .
وعلى هذا الاساس، كان اطلاقنا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، باعتبارها ليست مجرد عمل ظرفي محصور في الزمان والمكان، وإنما هي ورش مفتوح باستمرار، يهدف الى الحد من الفقر والهشاشة والتهميش الاجتماعي. هاته الآفات التي تشكل الانشغال الحقيقي للمواطنين، والمعيقات الاساسية للبناء الديمقراطي .
ومن هذا المنطلق، كان حرصنا على أن تعتمد هذه المبادرة مقاربة جديدة في التعامل مع القضايا الاجتماعية، تقوم على التوفيق بين الرهانات الشمولية وبين الانشغالات اليومية للمواطن، في اطار تنمية متضامنة، حتى لا يبقى مصير مواطنينا المعوزين، ومن يعاني منهم أوضاعا صعبة، رهينا بتفاوتات النمو الاقتصادي أو بما يتم توفيره من مساعدات، تنمية بشرية متضامنة، تقوم على امداد مواطنينا بالوسائل التي تتيح لهم تحرير طاقاتهم، واستثمار مؤهلاتهم الذاتية، وتمكنهم من التكفل بأنفسهم .
وبالنظر لكونها وسيلة لتعلم المشاركة المواطنة وممارستها، وورشا محوريا لالتقاء السياسات والبرامج العمومية وتناسقها، فإن المبادرة قد شكلت في حد ذاتها قطيعة، مع أنماط التفكير والطرق التقليدية لتدبير الشأن العام، بل وتنطوي على قطيعات عديدة، على مستوى التخطيط والتمويل والانجاز والتقييم واللاتمركز، قطيعات من شأنها تعزيز المسار الديمقراطي .
واذا كانت جولاتنا عبر ربوع المملكة ، قد مكنتنا من الوقوف على الانجازات التي تحققت ، وعلى بعض المعيقات والصعوبات، التي يتعين التصدي لها، فإن ما نتوخاه من هذه المبادرة هو احداث تغيير في ثقافة وسلوك الفاعلين فيها، والمستفيدين من برامجها، على حد سواء، بترسيخ مبادىء المشاركة والشراكة والحكامة الجيدة، باعتبارها من صميم الممارسة الديمقراطية الحديثة .
وسنظل، بعون الله تعال ، ملتزمين بتحقيق ما ينشده شعبنا الأبي، من بناء مغرب قوي بوحدته وتنميته، وخياره الديمقراطي .
"إن أريد الا الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب ".
صدق الله العظيم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته" .