(...) قررت أن أخاطبك اليوم بشأن قضية تهم المغاربة جميعا في العمق. قضية تسائل كل المؤسسات، والفاعلين السياسيي والنقابيين، والاقتصاديين، والهيئات الجمعوية. بل إنها تشكل الهاجس الملح لكافة الأسر والمواطنين.
إن الأمر يتعلق بالمعضلة الاجتماعية، التي نعتبرها بمثابة التحدي الأكبر، لتحقيق مشروعنا المجتمعي التنموي، والتي قررنا، بعون الله وتوفيقه، أن نتصدى لها بإطلاق مبادرة طموحة وخلاقة، باسم "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية".
وتندرج هذه المبادرة ضمن رؤية شمولية، تشكل قوام مشروعنا المجتمعي، المرتكز على مبادئ الديمقراطية السياسية، والفعالية الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي، والعمل والاجتهاد، وتمكين كل مواطن من الاستثمار الأمثل لمؤهلاته وقدراته.(...)
فعلى المدى القريب، كلفت الوزير الأول، بالسهر على أن تنكب الحكومة على تجسيد هذه المبادرة، في دفعتها الأولى، ضمن برامج مندمجة وملموسة، على أن يرفع إلى نظرنا السامي، في غضون الأشهر الثلاثة القادمة، خطة عمل متكاملة، تستجيب لأهداف هذه المبادرة.
أما على المدى المتوسط، فإنه يتعين على الطبقة السياسية، وهي مقبلة على استحقاقات حزبية وانتخابية، في أفق سنة 2007، أن تجعل في صلب اهتماماتها بلورة مشاريع ملموسة لتجسيد هذه المبادرة، لأن أهدافها التنمويـة، تشكل جوهر الانشغالات اليومية للشعب، والمحك الحقيقي لإعادة الاعتبار للعمل السياسي.
وأما على المدى البعيد، فإن طموحي الكبير، الذي هو طموحك شعبي العزيز، يستهدف الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية لوطننا العزيز إلى مستوى البلدان المتقدمة.
وتأكيدا للصبغة الوطنية الشاملة لهذه المبادرة، فقد وجهنا وزيرنا الأول بأن يعرضها على البرلمان، في جلسة مخصصة لمناقشتها، بما تقتضيه من دعم بناء.
وبصفة عامة، ندعو الحكومة إلى اعتماد مقاربة تقوم على الإصغاء والتشاور مع كل القوى الحية للأمة، من أحزاب سياسية، ومنظمات نقابية، وجماعات محلية، وهيآت المجتمع المدني، وقطاع خاص. وحتى مع المواطنين الذين لهم خبرة وغيرة في مجال التنمية.(...)
ويجب أن يشكل تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فرصة للاجتهاد والإبداع والتجديد، في آليات وأساليب العمل الاجتماعي. منطلقنا في ذلك أن تكون قوية التأثير في نتائجها، وغير مكلفة في وسائلها، ومعززة بموارد بشرية مؤهلة، وآليات مراقبة ورصد لظواهر الفقر والإقصاء، بكل موضوعية ويقظة.(...)
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليا، ولا برنامجا ظرفيا عابرا، وإنما هي ورش مفتوح باستمرار. كما أنها ليست تغييرا في الأسبقيات التي حددناها، بل هي تأكيد وتجسيد لالتزامنا. إذ ما فتئنا في كل مناسبة نؤكد أسبقية واستمرارية ما نخوضه من معارك موصولة، لتأهيل الموارد البشرية، وتقوية التنافسية الاقتصادية الوطنية، وإدراج إنعاش الاستثمار والمبادرة الخاصة والتصدير، في إطار مختلف السياسات القطاعية.(...)
وإنه لعهد وثيق يجب أن نأخذه جميعا على أنفسنا لتكريس كل الجهود، من أجل انتشال الفئات والجهات المحرومة من براثن الفقر والإقصاء والتخلف، وتمكينها من الأخذ بناصية التقدم، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، باعتبارها المعركة الأساسية لمغرب اليوم والغد.(...)