وفي ما يلي نص الخطاب الملكي الذي تلاه السيد عباس الفاسي الوزير الأول :
" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه، أصحاب الفخامة رؤساء الدول الإفريقية الشقيقة، صاحب المعالي السيد ياسو فوكودا، الوزير الأول في الحكومة اليابانية، أصحاب المعالي السادة رؤساء الحكومات، أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، أود في البداية، أن أتوجه بعبارات الشكر والتقدير للحكومة اليابانية، التي يرجع إليها الفضل في إطلاق مسلسل مؤتمر طوكيو الدولي لتنمية إفريقيا، منذ سنة 1993 ، والذي غدا فضاء لا مندوحة عنه، لمعالجة القضايا التنموية في القارة الإفريقية.
كما أعرب عن امتنان المغرب لما اتخذته اليابان وشركاؤها، من ترتيبات محكمة، لضمان شروط النجاح لهذا الملتقى الدولي الهام، في دورته الرابعة.
ولعل من نافلة القول، التأكيد على ما ننتظره من مؤتمر طوكيو، بخصوص تذكير المجتمع الدولي، وبخاصة الدول الصناعية، بما تمليه عليها التزاماتها من مسؤولية، في مؤازرة القارة الإفريقية، في مسيرتها التنموية، ودعم الجهود التي تبذلها لتحقيق آمال وتطلعات شعوبها، إلى الوحدة والاستقرار، والتنمية المستدامة والازدهار. وذلك بالاعتماد على إمكاناتها الذاتية، وتضامن أصدقائها. وهو ما جعل مسلسل هذا المؤتمر الدولي، يحظى بتقدير كافة الدول الإفريقية.
ومن منطلق ما يعتمده هذا المؤتمر، من رؤية استراتيجية مستقبلية، تجسدها خطة عمل مدققة، للسنوات الخمس المقبلة، مدعومة بآليات المتابعة والتقييم، فإن المملكة المغربية بادرت، منذ انطلاق مسار هذا المؤتمر، سنة1993 ، إلى الانخراط الفاعل فيه، واثقة من النتائج الإيجابية التي سيثمرها. لاسيما فيما يتعلق بالقطاعات الاجتماعية، كالتنمية القروية والصحة، والتربية والتأهيل.
وفي هذا الصدد، نشيد بالتعاون الثلاثي الياباني المغربي الإفريقي، وبما حققه من نتائج ملموسة، باعتباره إحدى الآليات الناجعة، لدعم جهود التنمية في إفريقيا.
أصحاب الفخامة والسعادة والمعالي، إذا كانت التنمية البشرية للشعوب الإفريقية، تحتل مكان الصدارة في أجندة هذا المؤتمر الدولي، فإنها تندرج أيضا في صلب اهتمامات المغرب، باعتبارها تشكل أكبر التحديات التي يعمل على رفعها.
ولهذه الغاية، أطلقنا سنة2005 ، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ليس بدافع تقديم المساعدات الظرفية، أو للقيام بأعمال خيرية، إرضاء للوازع الأخلاقي فحسب، وإنما من منطلق رؤية شمولية، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتربوية والثقافية والمجال البيئي. غايتنا بناء مجتمع مغربي متضامن. قوامه الديمقراطية السياسية، والفعالية الاقتصادية، والشراكة الاجتماعية.
ومن هذا المنظور الاستراتيجي المتكامل، حددنا لهذه المبادرة، التي تضع الإنسان في صلب المسار التنموي، ثلاثة أهداف رئيسية، نحرص على بلوغها في آمادها المحددة، في مجموع التراب الوطني، ولاسيما لفائدة الفئات والجهات الأكثر خصاصة. وذلك حسب حاجيات كل جهة وخصوصياتها البشرية والمجالية، وما تقتضيه من طابع استعجالي.
ويأتي في المقام الأول، العمل على تدارك العجز الاجتماعي، والتصدي لمظاهر التهميش والإقصاء، بتوسيع دائرة الاستفادة من البنيات التحتية، والخدمات الاجتماعية الأساسية، في مجالات الصحة والتعليم ومحو الأمية، وتوفير الماء الشروب، والكهربة القروية، وفك العزلة عن المناطق النائية والصعبة، ومحاربة التصحر.
وتهدف هذه المبادرة في المقام الثاني، إلى السهر على خلق الأنشطة المدرة لفرص التشغيل والدخل القار، فضلا عن هيكلة القطاع غير المنظم، الذي تشكل أنشطته نسبة هامة داخل مختلف مكونات النسيج الاقتصادي.
أما في المقام الثالث، فتتوخى العمل على مساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما النساء والأطفال منهم، الذين يعانون ظروفاً معيشية صعبة، أو يعيشون في فضاءات متسمة بالهشاشة والإقصاء الاجتماعي.
وقد حرصنا أن تقوم هذه المبادرة التنموية الواعدة، على مقاربة تشاركية وتشاورية وإدماجية، تمكن الفئات المستفيدة من المشاريع المبرمجة، من تبنيها وامتلاكها. وهذا ما يجليه التجاوب الكبير والانخراط القوي للمستهدفين منها، بتنسيق وتعاون مع كل الفاعلين المعنيين، ومكونات النسيج الجمعوي. مما أفضى إلى نتائج ملموسة، ساعدت في غضون السنوات الثلاث الأولى لإطلاقها، على الحد من نسب الفقر والبطالة، بشكل ملحوظ، لاسيما في المناطق القروية.
وعلى هذا الأساس، فإن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تستجيب لنفس المبادئ الرئيسية، التي تبناها مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا. كما تندرج ضمن أهداف الألفية للتنمية.
وفي هذا السياق، أود التأكيد على أن المغرب مستعد، كما عهدتموه، لوضع تجربته وخبرته في هذا المجال، رهن إشارة الدول الإفريقية الشقيقة. على غرار ما يقدمه من دعم لمشاريع التنمية البشرية، خاصة بجهة الساحل والصحراء.
ولا يفوتني بهذه المناسبة، أن أجدد عبارات الشكر والامتنان للحكومة اليابانية، للدعم السخي والمساعدة القيمة، اللذين تقدمهما للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذا لإسهامها الوازن في إنجاز عدد من المشاريع التنموية، ذات الطابع الاجتماعي بالمغرب.
أصحاب الفخامة والسعادة والمعالي، إن النظرة الاستراتيجية إلى التنمية في إفريقيا، لا يمكنها أن تتجاهل التغيرات المناخية، التي تنعكس سلبا على الأوضاع البيئية، وبالتالي على الأوضاع الاجتماعية لشعوبها، لاسيما والمغرب يواجه، على غرار باقي الدول الإفريقية، ظروفا مناخية قاسية، مرتبطة بالجفاف والتصحر.
وإدراكا منها لأهمية التغيرات المناخية، وتأثيرها على التنمية، احتضنت المملكة المغربية، في نونبر سنة2001 ، المؤتمر السابع للأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة، حول التغيرات المناخية، الذي تمخضت عنه اتفاقات مراكش، تمهيدا لدخول بروتوكول كيوطو حيز التنفيذ.
كما انخرطت بفعالية وحماس، على مختلف المستويات، في حماية البيئة من التدهور، ملتزمة بالبرامج المتوسطية ذات الصلة، عاملة على أن تحظى القارة الإفريقية بالأولوية في الدعم لبرامجها في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، نشيد بالتزام اليابان بهذا التوجه البناء، وبتعهده برصد غلاف مالي هام لمبادرته التشاركية "كول إيرث بارتنرشايب".
كما نرجو أن تعمل اليابان على إدراج مسألة البيئة، في جدول أعمال القمة المقبلة لمجموعة الثمانية. وإننا لنأمل أن تقتدي الدول الصناعية الكبرى، وخاصة مجموعة الثمانية، بهذا الموقف النموذجي، وتعمل على تفعيل التزاماتها تجاه دول الجنوب.
وبهذه المناسبة، نود التنويه بكل صدق، بما تعهد به السيد الوزير الأول الياباني، من التزام بإطلاع قادة دول الثمانية على نتائج هذا المؤتمر، وعلى انشغالات دول قارتنا بالمعضلات البنيوية البيئية، وبالإشكالات الاجتماعية الكبرى، التي حالت دون تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، رغم الجهود الدؤوبة التي تم بذلها في هذا المجال. ولاسيما تلك المتعلقة بمحاربة الفقر والأمية، والبطالة والهجرة غير الشرعية، والتخفيف من آثار الجفاف والتصحر.
إن هذه المعضلات التي تتفاقم خطورتها، قد أصبحت تشكل تحديات أكبر مما تستطيع قارتنا مواجهته، بدون مساعدة المجتمع الدولي، الدول الصناعية الكبرى، بصفة خاصة لدعم مبادرات الدول الإفريقية، في ظل ما يعرفه عالمنا اليوم من متغيرات وتحولات متسارعة.
ولعل ما يضاعف من حدة هذه الأوضاع الصعبة، ما تحمله العولمة الشرسة في ثناياها من إكراهات، لا قدرة لدولنا الإفريقية على تفاديها أو تجاهلها، فضلا عن الآثار السلبية الناجمة عن الارتفاع المهول في أسعار البترول، والمواد الغذائية الأساسية، وما يترتب عن هذه العوامل، من تداعيات اقتصادية واجتماعية، تنذر بأوخم العواقب والكوارث الإنسانية.
وأمام هذه الأوضاع المقلقة، والمهددة للأمن والاستقرار، يجدر الانكباب، بصورة استعجالية، على إيجاد الوسائل والآليات الكفيلة بمساعدة شعوب القارة الإفريقية على مواجهة معضلاتها، في مجال التغذية ومكافحة الفقر، والأوبئة الفتاكة، تجسيدا للتضامن الذي تمليه على ضمائرنا جميعا المبادئ الإنسانية المثلى، وقيمنا الدينية السامية.
كما ينبغي العمل على وضع حد لبؤر التوتر، وفض النزاعات المسلحة والمفتعلة، التي ترهن قوى قارتنا ومؤهلاتها البشرية والطبيعية، بالطرق السلمية، في احترام لسيادة الدول ووحدتها الوطنية والترابية، وفي إطار الالتزام بالشرعية الدولية.
إننا نأمل أن يُسفر هذا المؤتمر عن خطوات جريئة، والتزام جدير بمستوى الدول المتقدمة الكبرى، في دعم التنمية الإفريقية، ليس فقط لصالح الشعوب الإفريقية وحدها، ولكن بما يسهم في استتباب السلام العالمي، وتحقيق الأمن الجماعي، والتقدم المشترك.
نسأل الله تعالى أن يكلل أعمالنا بالنجاح.
شكرا على حسن إصغائكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".