"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان
يطيب لنا أن نفتتح الدورة الخريفية للبرلمان من منطلق تشبعنا بالديمقراطية في موءسساتها التمثيلية. تلكم الديمقراطية التى إن مورست من قبل ديمقراطيين كانت رافعة قوية للتنمية الشاملة وإن شابتها ممارسات إنتخابية غير سليمة تحولت الى عبء على الأمة.
فهل من قدرنا أن تكون الممارسة الديمقراطية السليمة نوعا من الحلم الضائع أو السراب الخادع.
بلى ان الدولة عازمة كل العزم على العمل بإصرار وفعالية لاعطاء الممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي السليم المتسم بحرية الاختيار وتطهير قدسيتها من كل الممارسات المشينة.
وحرصا من جلالتنا على ترسيخ الصرح الديمقراطي وجعله أساسا متينا لما نتوخاه من اقلاع اقتصادي وتآزر اجتماعي فإنه يسعدنا كما وعدنا بذلك شعبنا العزيز في خطاب العرش أن نتناول هذا الصرح بالتحصين منطلقين من قاعدته الأساسية المتمثلة في الجماعات المحلية.
ولكي تنهض هذه الجماعات بدورها كفاعل اقتصادي واجتماعي أساسي فقد ءان الأوان لاستبدال تدبيرها الاداري البيروقراطي بتدبير ديمقراطي مسوءول محفز للاستثمار.
وفي هذا الصدد فإننا ندعو الحكومة والبرلمان الى الانكباب بروح المسوءولية والحوار المثمر على وضع وإقرار النصوص الكفيلة بتمكين المجالس المحلية من القيام بما ننتظره منها من دور الشريك الفاعل في عملية التنمية.
وهكذا فإن اصلاح ميثاق الجماعات المحلية الجماعية والاقليمية والجهوية ينبغي أن تحكمه المقاصد الأربعة التالية..
أولا.. تحسين نظام ووضعية المنتخب وايجاد أحسن نسق للتدبير المحلي.. وذلك على سبيل المثال لا الحصر من خلال تحديد تحمل المهام التنفيذية في المرشحين المتوفرين على حد أدنى من الموءهلات والتكوين ومنع تعدد الانتدابات المحلية.
ثانيا.. تعزيز ءاليات حماية المصالح العمومية.. عن طريق الفصل الواضح بين الوظيفتين التداولية والتنفيذية ومنع المنتخب من إقامة علاقات مصلحية وخاصة مع الجماعة التى هو عضو فيها وتقوية المراقبة الخارجية بواسطة الافتحاص والمجالس الجهوية للحسابات.
ثالثا.. توسيع مجال التدبير المحلي.. من خلال توسيع اختصاصات المجالس المحلية وصلاحيات رئيسها وتحويل الاختصاصات والاعتمادات ضمن منظور متقدم للامركزية واللاتمركز وعبر التخفيف من الوصاية بترجيح المراقبة البعدية على المصادقة القبلية والمراقبة القريبة على الوصاية المركزية والتقليص من ءاجال المصادقة على مقررات المجالس المحلية والاقرار بحق الاستشارة المسبقة والتوقيع بالعطف على قرارات ممثلي الدولة وصلاحية الطعن في القرارات غير المطابقة لمداولات المجلس.
رابعا.. إحداث نظام جديد لادارة المدن.. يكرس مبدأ وحدة المدينة المسيرة من قبل مجلس المدينة الذي يمارس كافة المسوءوليات البلدية والى جانبه مجالس للمقاطعات بمثابة وحدات فرعية غير متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي مكلفة بتدبير الشوءون التى تتطلب القرب من المواطنين.
ومن شأن هذا النظام أن يضمن للمدينة وحدة تدبيرها وتهيئة مجالها وتنميتها مع تمتيع المواطنين والمستثمرين بإدارة قريبة لتلبية مايحتاجونه من خدمات أساسية.
وحتى تنهض المجالس الجهوية بالدور الذي ننتظره منها كفاعل أساسي في التنمية الاقتصادية والتكافل الاجتماعي والتدبير المجالي فقد أصدرنا تعليماتنا لحكومتنا قصد الاسراع باصدار كل النصوص التنظيمية الخاصة بها وتفعيل صندوق التضامن للتنمية الجهوية.
ومن أجل تفعيل دور الجهة في الاقلاع الاقتصادي فإنه من اللازم أن يتوفر كل مجلس جهوي على منظور استراتيجي شمولي ومتناسق لتنمية الجهة وعلى بنك لمشاريع الاستثمار الممكن إنجازها في دائرة ترابه أو بالتشارك مع جهات أخرى. وهذا مع اعتماد ءاليات لتقويم وتكييف وتحيين وإعادة توجيه عملية التنمية الجهوية ءاخذا بعين الاعتبار ما يعرفه المحيط الاقتصادي والتيكنولوجي من تحولات ومستجدات متسارعة.
وفي نفس السياق الرامي الى حفز الاستثمار وتسهيله فإن الشباك الوحيد الفعال المخاطب للمستثمر ليس بالضرورة هو الشباك الوطني الأوحد بل هو الشباك الموحد على صعيد كل جهة وإقليم نظرا لتعامله المباشر مع عمليات الاستثمار.
ولهذه الغاية يتعين إحداث شباك وحيد للاستثمار جهويا لدى كل وال وإقليميا لدى كل عامل مع تحديد أجل معقول وسريع للبت في ملفات مشاريع الاستثمار.
وإننا لعازمون على مواكبة إصلاح مدونة الجماعات المحلية بإصلاحات متقدمة تهم القانون الانتخابي والتقطيع الانتخابي والجماعي والمالية المحلية ونظامي الموظفين والأملاك الجماعية غايتنا المثلى في ذلك خلق فضاءات منسجمة للتنمية وجبايات محلية محفزة على الاستثمار تتسم بالشفافية والعقلنة والتقليص من العدد المرتفع للضرائب والرسوم المحلية الى أدنى عدد ممكن في إطار التناسق التام بين الجبايات المحلية والوطنية لجعلها جميعها من الأدوات الأساسية لتشجيع الاستثمار المنتج وتوفير الموارد الضرورية لتمويل التنمية المحلية والعمليات ذات النفع العام.
وستتم مراجعة النظام الانتخابي في اتجاه ترسيخ الديمقراطية وحرية الاختيار وذلك بتحسين الاليات الانتخابية قصد ضمان الشفافية والتعبير الانتخابي الحر وتخليق المسلسل الانتخابي وجعله ذي مصداقية كفيلة بضمان تحمل مسوءولية تدبير الشأن العام من طرف نخبة متشبعة بفضائل خدمة الدولة والمرفق العام والاستقامة والنزاهة.
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان..
إن الحمولة السياسية القوية لمشروعي إصلاح مدونة الجماعات المحلية وقانونها الانتخابي وكذا مشاريع إصلاح قوانين الحريات العامة والاستحقاقات السياسية والانتخابية والحزبية التي تلوح في الأفق القريب والمدى المتوسط يجب ألا تطغى عليها الحسابات السياسوية لدرجة حجب ما يواجهنا من تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة. إن على طبقتنا السياسية بجميع مشاربها أن تعتبر هذه الاستحقاقات لحظات قوية للتعبئة والانخراط في الجهاد الاقتصادي والاجتماعي.
وعندما ندعو لنبذ السياسة السياسوية التي قد تقحم من الان البلاد والعباد في حملة انتخابية سابقة لأوانها فاننا نشدد على اعادة الاعتبار للعمل السياسي بالمعنى النبيل للسياسة الذي يستحضر مشروعية الطموحات الشخصية والانسانية في العمل السياسي ولكنه يجعل غاية هذا العمل افراز رجال دولة يتميزون بالدفاع عن مشروع مجتمعي والتفاني في خدمته لا ابتغاء مصلحة شخصية أو فئوية.
ان انجاز التنمية والدمقرطة والتحديث يتطلب تحسين وتقوية هياكل الوساطة والتأطير السياسي المتمثلة في الاحزاب السياسية والهيئات النقابية والجمعيات ووسائل الاعلام وتوسيع المشاركة على كل المستويات المحلية والجهوية والوطنية.
وان المنظمات والهيئات المبنية على الديمقراطية الداخلية واحترام حق الاختلاف والكفاءة والحداثة والعقلانية والفعالية والتي يتم تدبيرها كمقاولات سياسية قادرة على انتاج نخب كفأة ومتشبعة بقيم الفعالية الاقتصادية والتآزر الاجتماعي وتخليق الحياة العامة واشاعة التربية السياسية الصالحة وابتكار الحلول وطرح المشاريع المجتمعية من شأنها اعطاء انطلاقة جديدة للديمقراطية المغربية تحرر الطاقات وتزرع الامل وتفتح الافاق.
وبنفس الروح الوطنية الصادقة ندعو النقابة المواطنة الى النهوض بمهمة القوة الاقتراحية والتشاركية والتأطيرية والتعبوية للطبقة العاملة لربح رهان الاقلاع الاقتصادي.
كما أننا عازمون في ما يخص الغرف المهنية على ترسيخ منظور جديد يجعل منها رافعة حقيقية للاستثمار المنتج وينبذ التعامل معها كمطية انتخابية أو مصلحية ويمدها بنفس جديد يصحح اختلالات واقعها الحالي الذي لايمكن الاستمرار فيه أو اعادة انتاجه.
ان نهوض مختلف هذه الهيئات وهوءلاء الفاعلين بالمهام المنوطة بهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لمن شأنه أن يعزز ما تقوم به حكومة جلالتنا في جميع المجالات من جهود مخلصة ودوءبة ومبادرات حميدة من أجل تحقيق الآمال العريضة لشعبنا الأبي في التقدم والازدهار.
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان..
ان ارادتنا الراسخة هي قيادة شعبنا نحو ديمقراطية تشرك كل الطاقات وتحفزها على خوض معركة الجهاد الاقتصادي والاجتماعي.
وانه لمجهود ضخم ينتظرنا جميعا وعلينا الاسهام فيه بالفعالية والحماس الذي نوصي الموءسسات التشريعية والتنفيذية أن تتحلى بها مثلما نود أن يتحلى بها سائر الفاعلين في الحقل الوطني.
كما نود أن تصبح قيم المسوءولية والجدية أخلاقا مشتركة بين الجميع سواء لدى الهيئات السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني أو لدى سائر القوى المنتجة في الحقلين الاقتصادي والاجتماعي. فالرهانات التي تنتظر المغرب رهانات حيوية تستدعي استثمار كل الموارد الوطنية لربحها. فعلى الكل أن يعلم ان المستقبل يبنى من الان وأن الغد سيكون ثمرة لما ننجزه اليوم.
وان المرور الى مغرب الغد لا يمكن أن يتم دون القطيعة مع العقليات المتحجرة وترسيخ ثقافة وأخلاق العمل والاعتماد على النفس والاجتهاد والاستقامة وخدمة الصالح العام لأن منطق التطور يفرض بالضرورة منظومة اجتماعية وسياسية قائمة على ممارسة سلوكية جديدة.
" ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".