"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله
تحل ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعالم مقبل على ألفية جديدة يتوزع البشرية فيه امال عراض وتساورها مخاوف وأخطار من طبيعة جديدة ثم هي تصادف بداية خمسينيتها الثانية وقد انصرمت خمسينية أولى تحققت فيها مكتسبات واكبتها تحولات مذهلة وتطورات هائلة في ميدان الحريات والديمقراطية. وتحل ونحن مطوقون بطوق المسوءولية الكبرى موءتمنون على رعاية مصالح شعبنا وصون كرامة أبنائه واحترام حرياتهم وضمان حقوقهم مافتئنا ندعو منذ أن تولينا عرش أسلافنا المنعمين بالتزامنا باحترام حقوق الانسان وضمان الحريات الفردية والجماعية في اطار دولة الحق والقانون وما لبثنا أن دعونا إلى مفهوم جديد للسلطة تكون فيه هذه في خدمة المواطن قريبة من همومه وحاجاته في علاقة لا تطبعها الرغبة أو الرهبة ولكن الاحترام المتبادل والتكامل بين الحاكمين والمحكومين. فليست العلاقة بينهما علاقة تنافر وتصادم ولكن علاقة انسجام وتكامل. كل تجاوز او شطط من قبل الأفراد أو الجماعات أو الادارة يحكمه القانون وفق القواعد الجاري بها العمل.
لقد انخرطت مملكتنا منذ حصولها على الاستقلال في دينامية احترام الحقوق والحريات بفضل تبصر جدنا محمد الخامس رضوان الله عليه وخيار والدنا الحسن الثاني طيب الله ثراه من خلال ارساء قواعد الملكية الدستورية بما يضمن الحقوق ويحمي الحريات العامة والفردية وتكريس الدساتير للتعددية السياسية وفصل السلط وسيادة القانون. ومكن بعد نظر والدنا جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه من جعل هذا التوجه ركنا أساسيا في بناء الدولة الحديثة. وتبلور ذلك في المصادقة على العديد من المواثيق الدولية واحداث البنيات الموءسساتية واتخاذ العديد من الاجراءات العملية لما كرسه دستور المملكة من تشبث بحقوق الانسان كما هي متعارف عليه عالميا.
ونريد في هذه المناسبة أن نجدد التزامنا بحقوق الانسان وبقيم الحرية والمساواة. ذلك اننا نوءمن ايمانا راسخا أن احترام حقوق الانسان والالتزام بالمواثيق الدولية المكرسة لهذه الحقوق ليس ترفا أو موضة بل ضرورة تفرضها مستلزمات البناء والتنمية. لقد اعتبر البعض ان الأخذ بالاعلان العالمي لحقوق الانسان قد يعطل التنمية والتقدم وقد يصطدم بخصوصية ثقافية حقيقية أو مفترضة تتنافى وهذه الخصوصية. ونحن نرى من جهتنا أن لا تنافر بين دواعي التنمية واحترام حقوق الانسان ونرى أن لا تضارب بين الاسلام الذي كرم بني ادم وبين حقوق الانسان.من أجل ذلك كله نرى أن القرن المقبل سيكون قرن احترام حقوق الانسان أو لن يكون.
ولاجدال أن من وسائل احترام حقوق الانسان الالتزام بالمواثيق الدولية المرتبطة بها ووضع اليات لاحترام الحقوق وصونها بيد أن تلك الأدوات القانونية والموءسستية تظل قاصرة ان لم يكن احترام حقوق الانسان سلوكا متواترا على جميع المستويات أو بتعبير اخر ان لم يكن ثقافة مشتركة.
لذلك لم تقتصر نظرتنا لحقوق الانسان إلى الجانب الحقوقي أو الموءسستي أو في اتخاذ تدابير واجراءات معينة بل كذلك في صرف الاهتمام إلى الجوانب الاجتماعية التي هي من صميم صون كرامة الانسان. ومازلنا نولي اهتمامنا بادماج المحرومين والمعوقين والاعتناء بالمرأة القروية التي تعاني أشد ظروف التهميش ايمانا منا أن ذلك يندرج في صلب حقوق الانسان.
ان اشاعة ثقافة حقوق الانسان تفترض اشاعة نور العلم. ان دور المدرسة يظل مركزيا في غرس قيم حقوق الانسان لدى الناشئة حتى تضحى حقوق الانسان جبلة وطبعا ولذلك فان من أولى الأولويات التي تشغل بالنا هي محاربة الأمية لأن القضاء على الجهل هو انتصار للمعرفة ولحقوق الانسان.
ونهيب بمجتمعنا المدني الانغمار في قضايا مجتمعنا والعمل على الرقي بمختلف شرائح شعبنا. ومما يثلج الصدر روح المسوءولية التي أبان عنها والدينامية التي أظهرها.
إن الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نحتفل به اليوم هو مستوحى من روح الديانات السماوية التي تدعو إلى تكريم الانسان من حيث هو انسان واحترام الاخر. وينبغي هاهنا في هذا اليوم الأبرك من شهر رمضان أن نستحضر تلك القيم الخالدة التي يدعو اليها ديننا الحنيف بالجنوح إلى التسامح والميل للجدال بالتي هي أحسن والدعوة إلى السلم كافة. إن من تلك القيم الرائعة الصفح الجميل. ان مما يسمو بالانسان هو الارتفاع عن دواعي القصاص. ان القصاص والانتقام هو حجر للذكاء وتكبيل للطاقات الفعالة التي يزخر بها مجتمع ما.
ان ما نرومه هو تفعيل طاقات شعبنا وصون كرامته في ظل دولة الحق والقانون واحترام حقوق الانسان.
وإن اجتماعنا على هاته القيم وتوافقنا حولها من شأنه أن يمهد السبيل لبلدنا نحو التقدم والرقي والعيش مع محيطنا في سلام ووئام.والسلام عليكم ورحمة الله تعإلى وبركاته".