وجه أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس رسالة سامية إلى حجاج المملكة الميامين، الذين سيؤدون مناسك الحج لهذه السنة، بمناسبة انطلاق أول رحلة، اليوم السبت، في اتجاه الأراضي المقدسة، وذلك برسم موسم الحج لسنة 1434 ه.
21 سبتمبر 2013
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها، بمطار الرباط سلا، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، السيد أحمد التوفيق :
" الحمد لله وحده. والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حجاجنا الميامين.
أمنكم الله ورعاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد،
فنتوجه إليكم بهذه الرسالة السامية، جريا على السنة الحميدة، في مخاطبة الفوج الأول من الحجاج المغاربة في كل سنة، المقبلين على السفر إلى الديار المقدسة في حفظ الله ورعايته، بعد أن يسر الله لكم أسباب القيام بأداء فريضة العمر، ألا وهي الحج إلى بيت الله الحرام. وذلك تجسيدا لعنايتنا السامية، التي نضفيها على شعائر الإسلام في مملكتنا، وحرصا على تمكين المغاربة من أدائها
أجل، نخاطبكم بهذه الرسالة الملكية، بوصفنا أميرا للمؤمنين، وحاميا لحمى الملة والدين، في حرص موصول على صيانة المقدسات والسهر على الطمأنينة الروحية للجميع، هدفنا تزويدكم بتوجيهاتنا السامية، فيما يتعلق بأدائكم لفريضة من أعظم فرائض الإسلام، وشعيرة من أهم شعائر الإيمان. وذلك على الوجه المطلوب شرعا، في القيام بمناسكه، والالتزام بأركانه وواجباته، والحرص على اتباع سننه ومندوباته.
وفي هذا السياق نذكركم بضرورة التزود بالتقوى التي هي خير زاد في هذه الرحلة الميمونة، وبالتحلي بمكارم الأخلاق في موسم عظيم، يجتمع فيه المسلمون من كل حدب وصوب، ليشهدوا منافع لهم. ويجسدوا باجتماعهم هذا أمرين عظيمين متكاملين، الأول التعبير الصادق عن توحيدهم الخالص لله الواحد الأحد. والثاني وحدتهم واعتصامهم بحبله المتين، مهما اختلفت أجناسهم ولغاتهم ومشاربهم.
لقد أقام ديننا الحنيف هذا الركن الركين من أركان الإسلام على أساس تجسيد المساواة بين المؤمنين، على صعيد واحد، مع التجرد من المحيط والمخيط، فلا تمييز بينهم بأي اعتبار، ولا تفاوت بينهم في هذا المقام من حيث المراتب والأقدار، متوجهين إلى الله العلي القدير، ملبين خاشعين، ومكبرين مهللين، مستجيبين لقوله تعالى : "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" ففي هذا الموسم العظيم يجب أن يجسد المؤمنون معنى المساواة، وقيم التسامح والتلاحم والحوار البناء، ونبذ الخلاف والنزاع، والتمسك بتعاليم الإسلام في الوحدة والوئام، على أساس الوسطية والاعتدال، ونبذ ما يفرق بين صفوفهم من نزوعات التطرف، وتحريف حقائق الإسلام، وقيامه على التضامن وبذل السلام.
وهذا ما يجعلنا نذكركم - معاشر الحجاج - بما يقتضيه القيام بركن الحج على الوجه الأمثل، من استعداد نفسي، وأشواق ربانية، وفقه ديني للأركان والشروط، للتجاوب الصادق مع مناسك الحج بقلوب واعية، وآذان صاغية.
ولاشك في أنكم تزودتم من ذلك خير الزاد، طبقا لما قام به فقهاؤنا الأماثل، عالمات وعلماء، في هذا الشأن، بإشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من خلال تقديم التوجيهات والإرشادات اللازمة، ولاسيما لمن كان منكم في حاجة إليها.
كما نذكركم بوجوب إعمار أوقاتكم في بيت الله الحرام بالأذكار والأدعية والاستغفار، وبأعمال الطاعات والقربات، متسامين عن سفاسف الأمور والخلاف الموقع في المحظور، وكل ما يتنافى مع إخلاص العبادة لله سبحانه. مستحضرين قول الله تعالى" الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. وما تفعلوا من خير يعلمه الله. وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
فاحرصوا - رعاكم الله - على القيام بمناسككم في استجابة وامتثال لتعاليم دينكم، والإنابة إلى ربكم وإخلاص الدعاء إليه سبحانه، ولاسيما على صعيد عرفات الطاهر، لبلوغ المقصد العظيم الذي شرع الحج من أجله، وهو استحقاق الغفران، ونيل الجزاء بما وعد الله به، من المقام في الجنان. مصداقا لقوله عليه السلام (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). أو قوله صلى الله عليه وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه.
وفي هذا السياق الذي استحضرنا معكم فيه ما يتعين عليكم القيام بهذا الواجب الديني لابد من استحضار واجب آخر أيضا، وهو أن تتحلوا في حلكم وترحالكم، فرادى وجماعات، بفضائل بلدكم المغرب، وتجسيد حضارته وهويته العريقة، التي اشتهر بها أسلافكم، وفي طليعتها حرصكم على التلاحم والوحدة والتعاون، والتشبث بالمقدسات الدينية والوطنية، القائمة على الوسطية والاعتدال، والوحدة المذهبية، والالتفاف حول عرشنا المجيد، والتجند وراء قيادتنا، الساهرة على التنمية والازدهار، والوحدة والاستقرار، لتكونوا سفراء لبلدكم، فيما يتميز به من تقاليد عريقة، وحضور إسلامي أصيل
حجاجنا الميامين.
لا يخفى عليكم ما يتطلبه انتظام موسم الحج في الحرمين الشريفين من ضرورة احترام كافة الحجيج للتدابير التنظيمية، الكفيلة بتوفير الأمن والأمان والانضباط، التي اتخذتها السلطات المختصة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، لضمان حسن سير هذا الموسم العظيم. والتي يحرص أخونا المبجل خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله على توفيرها لإقامة ضيوف الرحمن، حتى يؤدوا مناسكهم في طمأنينة روحية شاملة. جزاه الله خير الجزاء على خدمة الحرمين الشريفين، وحرصه على تحسين تلك الظروف باستمرار.
فكونوا رعاكم الله في طليعة من يحترم تلك التنظيمات والتدابير ويحافظ على سيرها، في موسم يتميز بالازدحام والتدافع.
وفي نفس السياق يتعين عليكم الالتزام باحترام الترتيبات والتنظيمات التي اتخذها وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي لا يألو جهدا في تحسين ظروف سفركم وإقامتكم، وتوفير شروط راحتكم، توجيها وإرشادا دينيا، ورعاية صحية، ومواكبة إدارية مسؤولة، تنفيذا لتعليماتنا السامية في هذا الشأن. كما ننوه، بنفس المناسبة بجهود الأطر الإدارية بهذه الوزارة، التي تساعده في هذا المجال.
حجاجنا المبرورين
ستقومون في الديار المقدسة بسنة أكيدة، تلبي أشواقكم الروحية العميقة، ألا وهي زيارة الروضة النبوية الشريفة، والوقوف بخشوع أمام قبر خير الأنام، خاتم الأنبياء الكرام، جدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام. فاستحضروا - رعاكم الله - ما يقتضيه هذا الموقف المهيب، والمقام الشريف من الصلاة والتسليم عليه بكامل الخشوع والتوقير، رجاء الفوز بما وعد به كل من سلم أو صلى عليه.حيث قال (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا.
ولا تنسوا في هذا المقام الكريم، وغيره من المقامات أن تدعوا خير الدعاء لملككم، الساهر على أمنكم وازدهاركم، وعلى وحدة بلدكم المغرب، وصيانة سيادته وكرامته، وإحلاله المكانة اللائقة به في محيطه الإقليمي والعالم الإسلامي كله. وكذا الدعاء لنا بأن يقر الله أعيننا بولي عهدنا، صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب مولاي الحسن، وبكافة أفراد أسرتنا الشريفة، وأن يشمل بمغفرته ورضوانه جدنا ووالدنا المنعمين، جلالة الملك محمد الخامس، وجلالة الملك الحسن الثاني خلد الله في الصالحات ذكرهما
وختاما نجدد لكم - معشر الحجاج والحاجات - دعاءنا الموصول بالحج المبرور والسعي المشكور والجزاء الموفور. والاستجابة من الله العلي القدير لأدعيتكم، فيما يصلح أحوالكم ويسعد وطنكم، ويرسخ روابط البيعة الوثقى لملككم. والعودة إلى دياركم سالمين غانمين، إنه تعالى على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
والسلام علكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".