الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نرأس افتتاح أعمال هذا الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية. ونود الإعراب لكافة المشاركين فيه، من منتخبين ومسؤولين إداريين بالجهات والولايات والعمالات والأقاليم، وممثلي مختلف هيئات المجتمع المدني، عن ارتياحنا لما يبذلونه من جهود حثيثة، من أجل تطوير الديمقراطية المحلية، التي تحظى بعنايتنا السامية، باعتبارها دعامة أساسية، لتحقيق ما نتوخاه لبلادنا من تقدم اقتصادي واجتماعي، ومواطنة كريمة ومسؤولة.
وإن تزامن انعقاد هذا الملتقى مع الذكرى الثلاثين، لصدور الميثاق الجماعي الرائد لسنة 1976، ليجعلنا نعتز بما حققته بلادنا من خطوات متقدمة، في مجال ترسيخ اللامركزية، سواء بتخويل الجماعات المحلية المنتخبة الصلاحيات الواسعة، والموارد المالية والبشرية، اللازمة لتدبير الشأن المحلي ؛ أو بإحداث الجهة ودسترتها، باعتبارها فضاء لتحقيق التنمية الجهوية المندمجة والمتنوعة، وركيزة أساسية لبناء الدولة المغربية الحديثة.
وفي سياق حرصنا على تعزيز الديمقراطية، ودولة الحق والمؤسسات، وإرساء المفهوم الجديد للسلطة، عملنا على إجراء مراجعة عميقة للإطار القانوني المنظم للجماعات والعمالات والأقاليم، مكنتنا من وضع نظام أساسي للمنتخب، بشكل يحدد حقوقه وواجباته، وكذا توسيع استقلالية وصلاحيات المجالس المنتخبة، في مجال التنمية، وتوفير الآليات الناجعة للمراقبة، وتخليق تدبير الشأن المحلي. فضلا عن تقليص الوصاية، وإحداث نظام جديد للجماعات الحضرية الكبرى.
وبالرغم مما تتوفر عليه الجماعات المحلية، من موارد مستقلة وهامة، فإن تفعيل هذه الصلاحيات يستوجب إصلاح النظام الجبائي والمالي والمحاسبي، لهذه الجماعات، في اتجاه تبسيطه، وتحسين تدبيره، والرفع من مردوديته.
حضرات السيدات والسادة،
يشكل هذا الملتقى الوطني، الذي ينعقد تحت شعار، "تنمية المدن مواطنة ومسؤولية"، فرصة سانحة للمنتخبين المحليين، وممثلي السلطات العمومية، وهيئات المجتمع المدني، لتقييم ما تحقق من إنجازات، وبرامج تنموية متكاملة، ورصد مكامن الخلل في تدبيرها، وكذا التفكير في أنماط جديدة من التسيير، تمكنها من رفع تحديات العولمة والتنافسية الدولية للمدن.
وإن اختياركم لمواضيع تمس مجالات مهمة، في تدبير الشأن المحلي، مثل الحكامة بالمدن، وتدبير المرافق العمومية والنمو الحضري، ليؤكد مدى وعيكم بالدور الهام، الذي تقوم به المدن، كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ منوهين، في هذا الصدد، بالمقاربة التشاركية وبالمقترحات، التي تم تبنيها في الأشغال التحضيرية الجهوية لهذا الملتقى.
وإن طموحنا لكبير في جعل المدن والجماعات المحلية، تشكل، إلى جانب الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، شريكا حقيقيا في مسلسل التنمية الشاملة ببلادنا، وقوة اقتراحية، لتفعيل مختلف الاستراتيجيات الوطنية.
وبما أن الحكامة الجيدة، أصبحت عنصرا أساسيا في تدبير المدن الكبرى، كان لزاماً على مدننا التوجه نحو نظام يمكن من فتح المجال لمبادرات، تقوم على مقاربة تعاقدية وتشاركية، بين الدولة والمدن، ومن انخراط مختلف الفعاليات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، وإشراك المواطنين في مختلف مراحل إنجاز البرامج المحلية.
حضرات السيدات و السادة،
لقد عرفت مدننا، نمواً ديمغرافياً ملحوظاً، وتوسعاً عمرانياً كبيراً، نتج عنه اختلاط ضواحي المدن بالمجال القروي، وتنامي حاجيات السكان، إلى التجهيزات التحتية والمرافق الضرورية. وذلك ما يتطلب اعتماد رؤية شمولية، تستهدف استباق أبعاد التوسع العمراني، والتحكم فيه، وفتح مناطق جديدة للتمدن، وخلق توازن بين المدينة والمراكز القروية المجاورة لها. غايتنا المثلى، ليس فقط تحقيق مدن بلا صفيح، ولا استبدالها بمساكن أشبه بعلب الإسمنت عديمة الروح الاجتماعية، وإنما بالأحرى، جعل مدننا ترتقي إلى فضاء للتساكن والعيش الكريم، ومجال للاستثمار والإنتاج، في حفاظ على طابعها الحضاري المتميز.
وبالرغم من توفر الجماعات المحلية على عدة صلاحيات قانونية، لتدبير الشأن المحلي، فإن جولاتنا التفقدية، لمختلف ربوع المملكة، قد مكنتنا من الوقوف الميداني، على التفاوت الحاصل بين متطلبات النمو الاقتصادي، والتجهيزات الحالية، ببعض المناطق. لذا، ندعو المنتخبين والفاعلين المعنيين بتنمية المدن، إلى مضاعفة الجهود، في مجال توفير البنيات الضرورية، وتمكين المرافق العمومية من تقديم خدمات جيدة. وكل ذلك في إطار سياسة القرب، وإيلاء عناية خاصة للأحياء الهامشية، من خلال الانخراط الجاد في برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وذلكم هو السبيل الأمثل لمصالحة المواطن مع المجالس المحلية، باعتبارها مؤسسات ديمقراطية تنموية، وليست مطية لأغراض شخصية أو فئوية.
حضرات السيدات والسادة،
إن اعتزازنا بالخطوات الهامة التي قطعها نظامنا اللامركزي، لايعادله إلا حرصنا على تثبيت دعائمه بنظام الجهوية الواسعة واللاتمركز الإداري. هذا النظام الذي يهدف أساسا إلى نقل مسؤولية تنفيذ السياسة الحكومية العامة، على الصعيدين المحلي والجهوي، إلى الولاة والعمال، بصفتهم ممثلين للدولة على المستوى الترابي، والتأكد من الإنجاز الفعلي لبرامج الحكومة من طرف المصالح اللاممركزة، والنهوض بدور المحاور المؤهل، لدعم المجهود الذي يقوم به المنتخبون، والفاعلون الاقتصاديون المحليون.
ومهما يكن تقدمنا في مجال ترسيخ النظام اللامركزي، فإنه سيظل ناقصا، ما لم يدعمه إصلاح نظام الجهات، وبناء أقطاب جهوية متجانسة، واعتماد التدبير غير المتمركز للشأن المحلي. لذا نعتبر أنه قد آن الأوان، للعمل على تسريع مسلسل اللاتمركز الإداري، وتوسيع صلاحياته، باعتباره لازمة ضرورية، لموا كبة الجهوية الواسعة، التي نعمل جادين على تحقيقها.
وفي هذا الصدد، نحث حكومتنا على أن تبادر، في الآجال القريبة، إلى إعداد تصور استراتيجي وشامل، لمنظومة إدارة لا ممركزة وفعالة، تعتمد المقاربة الترابية. وذلك بنقل السلط المركزية، التي من الأجدى أن تمارسها الإدارة المحلية، وفق مخطط مضبوط في مكوناته وأفقه الزمني.
فمقاربتنا الجهوية، لتدبير الشأن المحلي، نابعة من إيماننا الراسخ، بأن كل جهة من جهات المملكة، تزخر بإمكانات طبيعية وحضارية هامة، وبفعاليات ونخب مؤهلة، قادرة على التدبير الناجع لشؤونها، وفق قواعد الحكامة العصرية.
وإننا لواثقون بأن هذا الملتقى الهام، ليشكل مناسبة للتفكير والبحث والحوار الجدي، من أجل بلورة توصيات واقتراحات عملية، من شأنها إيجاد الحلول الملائمة للصعوبات والعراقيل التنظيمية والمالية، التي تعترض تنمية المدن والجماعات المحلية، والنهوض بها في إطار مشاريع طموحة، ومخططات تنموية مضبوطة، في مناخ من المشاركة الديمقراطية والعيش الحر الكريم.
أعانكم الله، وكلل أعمالكم بالنجاح، وسدد خطاكم إلى ما فيه تحقيق الصالح العام لوطننا العزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".