'' الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه
حضرات السيدات والسادة.
يطيب لنا أن نتوجه اليكم بخطابنا هذا وأنتم تعقدون موءتمركم الهادف الى تفعيل منظمة العصبة المغربية للتربية الاساسية ومحاربة الامية باعتباره موءتمرا يستهدف المقاصد النبيلة والغايات المثلى التي تندرج في صلب اهتمامنا الملكي السامي بالتنمية الاجتماعية الشاملة لمملكتنا وتأهيل مواردها البشرية باعتبارها حجر الزاوية في كل ما نسعى اليه من بناء المغرب الجديد على سواعد أبنائه ومساهمة كل مكوناته خاصة مجتمعه المدني المنخرط في عملية التنمية والتوعية والذي تحظى حيويته ببالغ عنايتنا وتقديرنا.
لقد الينا على أنفسنا منذ تولينا أمانة قيادة شعبنا العمل على استثمار طاقاتنا البشرية وادماجها في السياق العام للتنمية مواصلين بذلك مسيرة بناء المغرب الحديث التي نهض بخطاها الاولى جدنا المنعم بطل التحرير جلالة الملك محمد الخامس قدس الله روحه منذ فجر الاستقلال حينما أدرك بثاقب نظره أن تجسيد هذا الاستقلال لن يتحقق فعليا الا بتأهيل المغاربة قاطبة لممارسة حقوقهم وواجباتهم وتحرير كل طاقاتهم للاسهام في التقدم الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وهو الامر الذي لن يتأتى الا عن طريق استئصال شأفة الجهل والامية والعمل على نشر التعليم وجعله أداة لمواكبة العصر. وهكذا دعا رحمه الله منذ ذلك الحين الى تعبئة القوى الوطنية المخلصة من أجل الانخراط في هذه العملية. فكانت''العصبة المغربية للتربية الاساسية ومحاربة الامية'' التي تشكلت برئاسته السامية هي المنظمة المغربية الاولى التي جسدت بالفعل الاستجابة الخيرة لهذه الدعوة كتعبير منها عن تضامن المجتمع المدني مع الدولة في كسب رهان التنمية.
وقد واصل والدنا المنعم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني نور الله ضريحه هذه المسيرة في البناء والتشييد للمغرب المعاصر باحداث نقلة نوعية في مسيرة التربية والتكوين حينما سهر رحمه الله على اقامة نظام تربوي وطني متكامل يتمثل في تشييد مدرسة مغربية كفيلة بتعميم التعليم من غاياتها القضاء على الامية بطرق عصرية وكذا اعداد أجيال قادرة على النهوض بمسوءولياتها في بناء المغرب الحديث جاعلا من تكوين الاطر احدى أولويات المخططات المتتالية للتنمية. وظل رحمه الله يواكب تطور هذه المدرسة بجهد دوءوب وتوجيه موصول تجلى على وجه الخصوص في تحيين اهدافها وتجديد نظمها والحرص الشديد على اشراك الجميع في تطويرها بغاية جعل المكتسبات ترقى الى مستوى الطموحات الى أن توج هذه المسيرة بتشكيل جلالته للجنة خاصة لاعداد ميثاق وطني للتربية والتكوين. حتى اذا استأثرت به رحمة الله وشاءت عنايته تعالى أن تحملنا مسوءولية متابعة قيادة هذه المسيرة بادرنا الى اقرار هذا الميثاق الذي ساهم في صياغته ممثلون عن مكونات الامة من أحزاب سياسية وهيات نقابية وقطاعات منتجة وعلماء ومجتمع مدني ومتخصصين في الشأن التربوي. وقد سهرنا على بلورة حكومة جلالتنا له في مشاريع قوانين ودعونا لعقد دورة استثنائية للبرلمان للبت فيها.
ان الميثاق الوطني للتربية والتكوين يعتبر بحق إطارا مستقبليا سيمكن بلادنا خلال العشرية القادمة من تبوء مكانة مرموقة بين الامم ذات الموءهلات البشرية العالية. وان أهدافه في مايخص تعميم التمدرس وتحسين نوعيته والتربية غير النظامية ومحاربة الامية تجعلنا نتطلع بكل وثوق الى تخفيض نسبتها الى أقل من نصف مستواها الحالي في متم هذه العشرية واستئصالها التام في أفق منظور.
ولن يتأتى لنا بلوغ هذه الاهداف الا ببناء صرح مدرسة مغربية ناهضة برسالتها في اعداد أجيالنا الصاعدة لادماجها في سيرورة التنمية الشاملة وتأهيلها لولوج عالم الالفية الثالثة بكل مايحمله من تحديات علما بأن ذلك ليس سوى بعد من أبعاد سياستنا الرامية الى ايلاء الشأن الاجتماعي لرعايانا الاوفياء الاولوية التي يستحقها باعتبار الانسان المغربي هو محور التنمية وأداتها في نفس الوقت. وهو المستهدف أساسا من سياسة ترسيخ دولة الحق والقانون التي تتكافوء في ظلها الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي هذا الاطار نتوخى أن نجسد تكريم المواطن المغربي بتمتيعه بكامل حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في التعليم المستمد من مرجعية ديننا الاسلامي الحنيف الذي كان أول محكم تنزيله الامر بالقراءة ومن دستور مملكتنا الضامن للحق في المساواة والتربية وتبعا لمتطلبات هذا العصر الذي تعد تنمية الموارد البشرية ونسبة التعليم أحد موءشرات قياس تقدم الامم فيه.
حضرات السيدات والسادة.
ان الميثاق الوطني للتربية والتكوين ينطلق في مجال محاربة الامية والتربية غير النظامية من روءية جديدة تتجاوز سلبيات المقاربات السابقة التي حد من فاعليتها عدم تعبئة كل الفاعلين وخاصة منهم المجتمع المدني واعتبار محو الامية والتربية الاساسية قضية الدولة وحدها. اننا ندعو لاعتماد منظور شمولي يدمج مكافحة الامية ضمن استراتيجية جديدة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وذلك بتأهيل المستفيدين من عملية محو الامية للانتاج والتكيف الامثل مع الياته ومراعاة خصوصيات بيئتهم وأوساطهم الاجتماعية. وتمكينهم من الانفتاح المستمر على مجتمع التواصل والتنافسية الذي هو مجتمع العولمة. انها المقاربة التي تتوخى اكساب المستفيدين منها مهارات أساسية ووظيفية تضمن لهم الكسب المشروع والعمل المنتج. وبذلك يسهم محو الامية في القضاء على الفقر والتهميش من خلال استهدافه كل الفئات الهشة في نسيجنا الاجتماعي ولاسيما الاطفال اليافعين الذين يقل عمرهم عن خمس عشرة سنة والمرأة في العالم القروي والعمال في المقاولات والفئات العاجزة عن التواصل مع محيطها. وبذلك نشعر هوءلاء وأولئك بمردودية تعلمهم وبأهمية انتشالهم من الامية والجهل. ونمكن البلاد من موارد بشرية كفأة ترفع من تنافسيتها لان هذه الاخيرة أضحت تقاس بجودة هذه الموارد وليس بتدني كلفة اليد العاملة.
ان هذا المنظور الشمولي لن يكون له الاثر الذي نتوخاه الا عن طريق التشارك في انجازه بين الدولة وموءسساتها العمومية وبين مختلف مكونات المجتمع المغربي. ذلكم ان اية استراتيجية محكمة الاهداف والوسائل في هذا المجال تتطلب التعبئة الشاملة لكل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمسوءولين عن القطاع العام وممثلي الجماعات المحلية والقطاعات المنتجة والمجتمع المدني من ناحية أولى وتعبئة المستهدفين بالتكوين وتوعيتهم بمسوءولياتهم في الاندماج وتحسيسهم بضرورة فك الحصار عنهم بسبب الامية والجهل من ناحية اخرى.
حضرات السيدات والسادة
اننا لننوه بما نلمسه اليوم من حماس وطني ومن التفاف حول جلالتنا في كل ما نختطه من مشروعات للنهوض بالشأن الاجتماعي وتعبئة شاملة للمجتمع المدني الذي نحرص على جعله شريكا متميزا للسلطات العمومية في ميدان التنمية الاجتماعية وندعو الى مده بكل الوسائل للنهوض بمهمته ولا سيما مكافحة الفقر والتهميش والقضاء على معوقات التنمية الاجتماعية الشاملة وعلى رأسها الامية. كما نعتبر دور العصبة المغربية في هذا الصدد دورا فاعلا مع غيرها من المنظمات والهيأت الممثلة للمجتمع المدني خصوصا وقد كان لهذه العصبة دورها الرائد في بداية الاستقلال حينما استثمرت الحماس الوطني يومئذ في انجاز مشروعها النبيل بقيادة نخبة فاضلة من الوطنيين. ونستطيع اليوم ان نتفاءل بكون دورها سيكون أكثر فعالية لمواصلة مسيرتها بفضل ما ستعرفه أجهزتها من دم جديد وأطر نشيطة. وما يمكن ان تصطنعه من اليات في التواصل والاعلام وفي بيداغوجية التكوين مستفيدة من معطيات التطور الهائل الذي يعرفه عالمنا المعاصر ومتيمنة بتزامن انبعاثها الجديد مع انخراطها الصادق في تفعيل ما اجمعت عليه مكونات الامة بشأن محو الامية والتربية غير النظامية من خلال الميثاق. وقد وفقت الى عقد موءتمرها هذا في سياق انكباب مجلسي البرلمان على البت في نصوص إعماله.
حضرات السيدات والسادة
ان علينا ونحن نستهدف من خلال هذه العملية الوطنية الاساسية تنمية مواردنا البشرية وادماجها في سياق التنمية الشاملة ان نحذر من اعتبار محاربة الامية مجرد تلقين لقواعد القراءة والكتابة فحسب فالامية بمعناها الجديد الذي يطرحه فجر الالفية الثالثة هي العجز عن الاندماج في مجتمع التواصل والاعلام.فبمقدار ما تحتاج العولمة عالمنا فإن الامية النوعية للقرن الحادي والعشرين التى تعني العجز عن استيعاب وتوظيف عناصر التطور التكنولوجي والمعرفي ستظل تهدد مجتمعنا لاقدر الله.لذلك يتعين علينا ان نعمل ليس فقط على محو الامية الابجدية بمعناها التقليدي وانما محاربة خطر الامية النوعية التى تلاحق كل من يقصر في مواكبة حضارة العصر او الاندماج في مجتمع التواصل والاعلام.
واننا اذ نعرب عن ارتياحنا مجددا لعقد هذا الموءتمر الذي لاشك في أنه سيتداول جملة من القضايا التى أشرنا اليها لنشكر القائمين بتنظيمه كما نشكر جهود العاملين المخلصين في هذا المجال وكلنا ثقة في عبقرية شعبنا ووعيه بضرورة رفع التحدي وهو على عتبة قرن جديد لا كرامة فيه لغير الموءهلين لرفع تحدياته وخوض السباق فيه في حلبة الانتاج والابداع والتواصل ضمن مزج فاعل بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على حضارة العصر وامتلاك مفاتيح تقدمها العلمي والتكنولوجي التى لن ننفذ اليها كما جاء في الذكر الحكيم الا بسلطان العلم.
'' قل هل يستوي الذين يعملون والذين لايعلمون. انما يتذكر أولو الالباب '' صدق الله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وحرر بالقصر الملكي العامر بالرباط في يوم الجمعة ثالث ذي الحجة 1420 ه موافق 10 مارس 2000 ''.