"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة ..
إن مخاطبتنا لكم بمناسبة إعطاء الانطلاقة الجديدة لمكافحة الأمية ومن خلال ملتقاكم الهام إلى كافة رعايانا الأوفياء تتيح لنا فرصة أخرى للتأكد على ما نوليه للتنمية البشرية من أولوية و اهتمام يتطلبها تحقيق مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي يمتد بجذوره في أصالتنا وقيمنا الدينية ويمتد بفروعه ليعانق كل قيم العصر والأخذ بمقاليد العلم والمعرفة والتكنولوجيا والأنظمة الحديثة.
ولذلك جعلنا إصلاح نظام التربية والتكوين في مقدمة أولويات العشرية الحالية مبوئين تعميم التعليم والقضاء على الأمية مكانة الصدارة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي أجمعت عليه كل مكونات الأمة.
ويقينا منا بأن بناء مجتمع سليم ومتماسك يقتضي أن يكون جميع أفراده مشاركين في هذا البناء فإننا ما فتئنا نعمل على توفير الشروط والظروف الكفيلة بالقضاء على كل مظاهر التخلف لا سيما الأمية والجهل باعتبارهما أصل الداء الذي تعانيه فئة عريضة من شعبنا والذي من شأن محاربته تمكيننا من القضاء على ظاهرة التهميش التي تحول دون المشاركة الفاعلة في تشييد هذا المجتمع.
إن الانتشار الواسع لظاهرة الأمية ليعيد مصدر قلق كبير لكون كل مغربي واحد من اثنين يعاني من هذه الظاهرة التي تجثم بظلامها على أكثر من 12 مليون مواطن مغربي خصوصا في أوساط النساء. ولا نستثني من هذه الظاهرة الأطفال إذ أن طفلا واحدا من كل ثلاثة لا يعرف القراءة والكتابة حيث أن مليونين من الأطفال دون سن الخامسة عشرة لم تتوفر لهم فرصة التمدرس.
وهي أيضا بمثابة إنذار بالخطر لحدة العجز المسجل في الميدان الاجتماعي وما يتعين استدراكه من فرص ضائعة على بلادنا وعلى اقتصادنا الوطني. ولعنا في غير الحاجة إلى أن نؤكد أن الأمية عار في جبين أي مجتمع وأنها عرقلة في سبيل التقدم وفي كل جهد يبذل لتحقيقه وأنها طريق لنشر الأوهام والشعوذة والخرافات والبدع الضالة. وأن وصمة هذا العار تزيد حين يتعلق الأمر بمجتمع مسلم يدعو دينه الحنيف إلى العلم والمعرفة بدءا من تعلم القراءة والكتابة معتبرا أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة أنه "لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
وعلى الرغم من أن جهودا كبيرة بذلت في هذا المضمار منذ بزوغ فجر الاستقلال بتوجيه من جدنا ووالدنا المنعمين جلالة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني قدس الله روحيهما كانت لها آثار إيجابية فإننا ما زلنا نشكو من تقشي هذا الداء بحيث لم تسجل بلادنا في مجال انتشار الأمية سوى تراجع طفيف منذ بداية الاستقلال.
وسعيا منا إلى معالجة ظاهرة الأمية والتغلب عليها فقد جعلنا لها على الصعيد الحكومي كتابة للدولة تنهض بوضع استراتيجية لمكافحتها والقضاء التدريجي على هذه الآفة التي تفوت على المغرب كسب رهانات الانخراط في عالم المعرفة والتواصل وتجعل نصف ساكنته أشبه بالأسارى الراسفين في قيود الجهل والأمية.
لذلكم فإن تحقيق القضاء على الأمية لا ينبغي أن يقتصر على العمل الذي تتحمل الحكومة مسؤوليته ولكن يحتاج إلى التعبئة العامة. وأن أول ما ينبغي التنبيه إليه في هذه التعبئة هو التوعية بأهمية دور المواطن في التنمية. وأن هذا المواطن إذا تحرر من الأمية فسيشكل رصيدا غنيا واستثمارا حقيقيا لوطنه وعنصرا فاعلا في تقدمه وتنافسية اقتصاده ومواطنا مستوفيا لشرط مؤكد للمواطنة الكاملة في نطاق المجتمع العصري الديمقراطي.
والوعي بهذا الأمر يستوجب الحزم في مواجهته بإرادة وحماس والعمل الجماعي على التصدي له من مختلف الهيئات والمنظمات وسائر الجمعيات وفي شتى مراكز التعليم والتكوين ودور الشباب فضلا عن إدماج برامج محو الأمية التي تتم في المساجد ضمن محاور هذا المشروع واستفادتها من وسائل التأطير والتقييم التي يعتمدها. كما يستلزم البحث عن الأساليب التربوية الناجعة مع تجنيد كل الفعاليات المؤهلة لذلك منوهين في هذا المضمار بالجهود التي يبذلها النسيج الجمعوي.
ولكي تعطي هذه الحملة ثمارها فإنه ينبغي مواصلة عملية محو الأمية التعليمية بالنسبة للذين اجتازوها حتى لا يقعوا فيها من جديد. كما ينبغي مؤازرتها بعملية أخرى لمحو الأمية الفكرية بتنظيم حملات للتوعية بالحقوق والواجبات الدينية والوطنية وبمشكلات الواقع وقضايا الوطن عامة.
وبقدر نبل هذه المفاهيم الوطنية وشرف بلوغها يتعين على المسؤولين المباشرين عن هذا المشروع من سلطات عمومية وأطر تعليمية وإدارية وجمعيات ملتزمة مضاعفة الجهود في معركة مكافحة الجهل والقضاء على ظلام الأمية والسير بالناس في طريق النور ضمن برنامج مضبوط خاضع للتقييم المنتظم للتحقق من نجاعته مجسدين في هذا المجال إرادتنا الراسخة في الإسراع بإنجاز نظام التربية والتكوين.
وليكن محفزنا في هذه العملية نابعا مما أمر به القرآن الكريم في أول ما نزل منه " اقرأ باسم ربك الذي خلق" صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته" .