"الحمد لله ، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،
بمشاعر العرفان والوفاء والالتزام، نخلد اليوم الذكرى الواحدة والثلاثين، لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة.
أما العرفان، فلمبدعها والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وللمشاركين فيها، وللشعب المغربي قاطبة، على تضحياته الجسيمة، في هذه الملحمة السلمية، التي مكنت بلادنا من استرجاع أقاليمها الجنوبية.
وأما الوفاء، فللمبادئ التي جسدتها المسيرة الخضراء، من التحام بالعرش، وإجماع وطني على الوحدة، وتعبئة شعبية دائمة، وتشبع حضاري بقيم السلام والحوار.
ومن ثم كان التزامنا، منذ اعتلائنا العرش، بهذه المبادئ، في تدبير كل القضايا الوطنية الكبرى. وقد سلكنا في ذلك نهجا ديمقراطيا أصيلا، عماده إدماج كل القوى الحية للأمة، والفاعلين المعنيين، في معالجتها بالحوار والتشاور، لجعل القرارات المصيرية تنبثق من القاعدة، كي تتبلورعلى مستوى القمة.
وعلى هذا الأ ساس، قامت مبادرتنا في تخويل أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا موسعا، في نطاق سيادة المملكة، ووحدتها الوطنية والترابية. وقد قطعنا في هذا الشأن خطوات متقدمة، ضمن مسار تشاوري، وطني ومحلي.
وفي هذا الصدد، نجدد الإشادة بروح المسؤولية، والتجاوب الكبير، الذي أبدته الأحزاب السياسية، من خلال تقديم مقترحاتها البناءة لجلالتنا.
كما ننوه ، في نفس الوقت، بما يبذله المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، رئاسة وأعضاء، من جهود مخلصة، متشبعة بالغيرة الوطنية، سواء للدفاع عن مغربية الصحراء، أو في إعداد تصوره بشأن الحكم الذاتي، ورفعه إلى جلالتنا، في الأسابيع المقبلة.
وبذلك نستكمل التشاور مع أوسع قاعدة شعبية، محليا ووطنيا، لبلورة مقترح المغرب، المجسد للتوجهات الثلاثة الأساسية، في سياستنا الداخلية والخارجية.
فعلى المستوى الوطني، سنواصل المضي قدما، في تعزيز صرحنا الديمقراطي، بالجهوية المتقدمة، باعتبارها قوام الدولة العصرية، التي نرسي دعائمها.
وعلى الصعيد المغاربي والإقليمي، نؤكد بهذا النهج حرصنا على وحدة المغرب العربي، وعلى تجنيب المنطقة وجهة الساحل، وجنوب-شمال المتوسط، ما يمكن أن ينجم عن زرع كيان وهمي، من ويلات البلقنة وعدم الاستقرار، وتحويلها إلى مستنقع لعصابات الإرهاب، والتهريب والاتجار في البشر والسلاح. وتلكم هي المخاطر التي يعمل المغرب على مواجهتها من خلال اقتراح الحكم الذاتي، كتوجه ديمقراطي.
أما على المستوى الدولي، فإن المغرب بهذا التوجه، يظل وفيا لالتزامه الثابت، بالتعاون الصادق مع المنتظم الأممي، ومع أمينه العام، وممثله الشخصي، من أجل الإسهام في إيجاد حل سياسي توافقي، تنخرط فيه بجدية، كل الأطراف المعنية فعلا بهذا النزاع.
وهو ما يتطلب مضاعفة التعبئة والصمود، للتصدي لمناورات ومؤامرات خصوم وحدتنا الترابية، بالعمل المكثف، للتعريف بمشروعية حقنا، وصواب موقفنا، الذي يحظى بمساندة القوى الفاعلة في المجتمع الدولى، وعدد متزايد من البلدان الشقيقة والصديقة لعدالة قضيته. كما أن المغرب سيواصل جهوده الدؤوبة، لتحقيق التنمية الشاملة، بهذه الأقاليم العزيزة علينا.
وفي هذا الصدد، فإننا نوجه كل الفاعلين المعنيين، من سلطات عمومية ومنتخبة، وقطاع خاص، ووكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وسكان هذه الربوع الغالية، إلى تضافر جهودهم، وإيلاء عناية خاصة للبرامج التي تمس الواقع المعيش لرعايانا الأوفياء بالصحراء، إلى جانب الأوراش الهيكلية الكبرى، بتناسق مع المشاريع المبرمجة، في نطاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تضع هذه الأقاليم في صدارة أولوياتها.
شعبي العزيز،
إن حرصنا على تفعيل الخيار الديمقراطي التنموي، لا يقتصر فقط على توطيد وحدتنا الترابية، وإنما يشمل أيضا كل القضايا الوطنية الكبرى، حيث اعتمدنا في معالجتها نفس المقاربة التشاورية الإدماجية، القائمة على المشاركة الفعلية، لمختلف المعنيين في اقتراح الحلول الأنسب لها.
ومن هذا المنظور، كان حرصنا القوي على إيلاء عناية خاصة لقضايا جاليتنا بالخارج، وذلكم من خلال اعتماد سياسة جديدة للهجرة، ذات بعدين :
أولهما بعد خارجي نعمل في إطاره على الدفاع عن حقوقهم في بلدان الإقامة، وتمكينهم من ممارستها بدون تمييز، وذلك في نطاق الاتفاقيات الثنائية المبرمة، ولاسيما مع البلدان الأوروبية.
وبقدر ما نشيد باحترام مواطنينا بالخارج لقوانين بلدان الهجرة، فإننا حريصون على الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية المغربية الأصيلة، القائمة على التسامح والاعتدال، واحترام الاختلاف، وتجسيد الإسلام البناء.
أما البعد الثاني، فهو بعد داخلي وطني، قائم على انتهاج سياسة جديدة، منصفة لجاليتنا بالخارج، التي تحظى لدى جلالتنا بمكانة خاصة، اعترافا منا بكونها في طليعة القوى الحية، المساهمة بدورها الفاعل، في تنمية المغرب وتحديثه، وإشعاعه الحضاري، وتماسكه الاجتماعي، وتطوره الديمقراطي.
وفي هذا السيا ق، كان تأكيدنا على تمكين أفراد جاليتنا من شروط ممارسة مواطنتهم كاملة، بتوسيع انخراطهم ومشاركتهم، في كل مجالات الحياة الوطنية.
وإننا لجد معتزين بالصدى الإيجابي، الذي لقيته مبادرتنا من قبل جاليتنا في الخارج. وتجاوبا مع تطلعهم للانخراط في تفعيل هذه المشاركة، فقد قررنا السير على نفس النهج الديمقراطي المتدرج. فبعد تخويلهم حق المشاركة السياسية، بتمكينهم من أن يكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن، فإننا سنعزز هذا المكسب الديمقراطي، بإقامة المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج.
وفي هذا الصدد، قررنا تكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهو المؤسسة الوطنية التعددية والمستقلة، التي جعلنا ضمن مهامها الدفاع عن قضايا المغاربة بالخارج، بإجراء المشا ورات الواسعة، مع كل المعنيين، لإبداء رأي استشاري بخصوص إحداث المجلس الجديد، بكيفية تجمع بين الكفاءة والتمثيلية، والمصداقية والنجاعة.
وفي ضوء ما سيرفع لجلالتنا في هذا الشأن، سنقوم بوضع الظهير الشريف، المحدث للمجلس الأعلى للجا لية المغربية بالخارج، على أن نتولى تنصيبه، إن شاء الله، خلال سنة 2007.
وإننا لحريصون على أن يشكل هذا المجلس مؤسسة ناجعة لإسهام جاليتنا في النهضة الشاملة، التي يعرفها وطنهم المغرب، نظرا لما أبانوا عنه من تعلق بهويتهم الوطنية، ومن تعبئة والتزام في تقدم بلدهم، والدفاع عن وحدته، والانخراط في المشروع الديمقراطي والتنموي، الذي نواصل إنجازه بإرادة راسخة وخطى حثيثة، لما فيه خير جميع مكونات شعبنا الأبي، داخل الوطن وخارجه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".