"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه..
حضرات السيدات والسادة المشاركين في تخليد الذكرى الأربعين لميلاد النظام المالي المغربي..
لقد انصرمت أربعون سنة منذ أن قرر صاحب الجلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه في خطاب العرش يوم 18 نونبر 1959 إنشاء ست مؤسسات مالية لتستجيب إلى متطلبات الاقتصاد المغربي غداة الاستقلال. وبدا جليا منذ ذلك الحين الدور الفعال والأساسي للنظام المالي في تمويل النمو الاقتصادي.
لقد أثبتت تجربة النظام المالي المغربي مدى قدرته على الالتئام فلئن كان قد وضع في سياق حمائي فان ذلك لم يحل دون أن يضطلع بمهمته في سياق اقتصاد ليبرالي. والسؤال الذي يلح علينا الآن هو تحديد التقويمات اللازمة لكي يضطلع هذا القطاع بمسؤوليته في السياق الجديد للاقتصاد العالمي.
لقد فرضت عدة خيارات نفسها غداة الاستقلال وعرف اقتصادنا آنذاك تقلص الاستثمارات واستفحال هروب روءوس الأموال. وكان من الضروري والحالة هذه تعبئة الموارد المالية لحفز الاستثمار. فتم اتخاذ قرارات لوقف نزيف روءوس الأموال وإتاحة الفرصة للادخار ليكون في خدمة الاقتصاد ومن جهة أخرى اتخاذ إجراءات من شأنها ترسيخ سيادتنا الاقتصادية. وكان من أهم تلك الإجراءات فك الارتباط مع الفرنك الفرنسي بتاريخ 28 دجنبر 1958 واعادة هيكلة مكتب الصرف بتاريخ 28 يناير 1958 وإنشاء بنك المغرب بتاريخ 1 يناير 1959 وسن عملة الدرهم بتاريخ 17 أكتوبر 1959.
ومن جانب آخر تم إنشاء أدوات من شأنها تمويل الاستثمار منها البنك المغربي للتجارة الخارجية لتشجيع التجارة الخارجية والبنك الوطني للتنمية الاقتصادية لتمويل مشاريع الاستثمار.
أما الجانب الآخر الذي انصرف إليه النظام المالي المغربي فهو تعبئة روءوس الأموال المحلية لكي تساهم في تمويل الاقتصاد منها خلق صندوق التوفير الوطني والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق الإيداع والتدبير.
وقد توالى في عهد والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه مسلسل إحداث موءسسات مالية من شأنها الدفع قدما بالاقتصاد المغربي فتم إنشاء الصندوق الوطني للقرض الفلاحي سنة 1962 وشركات الاستثمار والشركة الوطنية للاستثمار سنة 1966.
وعرفت بلادنا إصلاحات بنيوية منذ الثمانينات في اتجاه تحرير القطاع المالي وملاءمته للمعطيات الجديدة وذلك في أفق الدفع بالنمو. وفي هذا المنظور الجديد كان لزاما على القطاع البنكي أن يدخل حلبة التنافس داخل المنظومة المصرفية من جهة مع موارد أخرى للتمويل من جهة ثانية.
حضرات السيدات والسادة..
يواجه اقتصادنا اليوم تحديات جديدة سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي.
فمما يتوجب على الصعيد الداخلي تحقيق معدل نمو مستمر من شأنه أن يستجيب لحاجيات السكان ومتطلباتهم في التعليم والصحة والبنيات التحتية. كل ذلك يستلزم معدلا للنمو للسنوات القادمة يصل إلى 6 في المائة.
أما على الصعيد الخارجي فان عولمة الاقتصاد تفرض تنافسية أكبر وتقوية لنظامنا المالي حتى يتسنى لبلادنا الاستفادة من هذا المد العالمي.
لقد أظهرت الأزمة المالية التي عصفت بكل من آسيا وأمريكا اللاتينية انه لا يكفي من أجل الاندماج في الاقتصاد العالمي وجلب الاستثمارات فتح الحدود للتبادل الحر والخوصصة والحفاظ على التوازنات الإجمالية للاقتصاد. ذلك انه علاوة على هذه الإجراءات الضرورية يتعين تقوية نسيجنا الإنتاجي وإرساء مراكز لتنمية مستقلة من شأنها أن تتيح للاقتصاديات سبل مقاومة الهزات الخارجية وتوفير نظام مالي قوي وفعال.
ونريد منكم حضرات السيدات والسادة في هذا اليوم الدراسي أن تصرفوا تفكيركم إلى محاور نرى أنها خلقية بالدرس..
1 - ملاءمة دور البنك المركزي مع التطورات التي يعرفها النظام المالي الدولي وذلك بإحداث آليات تمكن الفاعلين الاقتصاديين من الاستفادة من الحركية الكبرى لرؤوس الأموال وبتطوير الأدوات الاحترازية اللازمة قصد تمنيع النظام المالي الوطني تجاه الهزات والأزمات المالية الخارجية.
2 - تعبئة الادخار والتفكير في أحسن السبل لتوجيهه نحو الاستثمار.
3 - تحديد التطورات اللازمة في سوق البورصة لكي تصبح أداة فعالة لتمويل الاستثمار.
4 - التفكير في سبل الدفع بالقطاع البنكي مما من شأنه أن يتيح للمقاولة سبل الحصول على التمويل وبالأخص المقاولات الصغرى والمتوسطة واصطحابه لمسلسل تأهيلها لتقوى على مواجهة المنافسة الأجنبية وبالأخص الأوربية.
تلكم محاور تستأثر باهتمامنا نريد منكم أن تخلصوا إلى نتائج عملية بعد دراسة أوجهها.
وفقكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وحرر بالقصر الملكي بالرباط في 07 شعبان 1420 ه الموافق 16 نونبر 1999".