" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
فخامة رئيس الجمهورية،
أصحاب الفخامة والمعالي رؤساء الدول والحكومات،
السيد الامين العام للامم المتحدة ،
حضرات السيدات والسادة،
إن القمة التي تنعقد اليوم بباريز لرؤساء دول إفريقيا وفرنسا تعتبر مناسبة متميزة تتيح لنا الالتئام من جديد في لقاء يطبعه الإخاء والتضامن. كما أن هذه القمة تستجيب لضرورة التشاور حول وسائل تقوية الشراكة الفرنسية الإفريقية في ظرفية عالمية تبعث على القلق والانشغال.
وإزاء هذه التوجسات فإن إفريقيا وفرنسا موحدتين متضامنتين تتحملان رسالة نشر السلام والحوار والتسامح كما أن أمامهما عملا مشتركا يتعين عليهما مواصلة النهوض به سويا لتحقيق المزيد من التقدم والديمقراطية.
وفي هذا المضمار وتقديرا منها لأهمية التحديات التي على إفريقيا أن ترفعها فقد انخرطت في استراتيجية تنموية شمولية ومندمجة. وإن النيباد الذي هو التعبير البليغ عن هذه الاستراتيجية ليوفر أرضية مثالية لشراكة إفريقية بينية متميزة، ولتعاون دولي فاعل.
ومن منطلق اقتناع فرنسا ورئيسها فخامة السيد جاك شيراك بالطابع المجدد والجريء لهذه المبادرة فإنهما سيبذلان جهودهما وبكل ما لهما من وزن لكي يوءمنا لها الدعم الدولي القوي والمتزايد.
ومن جهتها فإن المملكة المغربية منخرطة كامل الانخراط في هذا المسار ملتزمة بتقديم سندها الكامل واللامشروط لنجاح هذه المبادرة المحملة بالامال.
فالمغرب مقتنع بأن الإصلاحات المطروحة ولا سيما المتعلقة بحسن تدبير الشأن العام وبالمسار الديمقراطي كفيلة بتحرير الطاقات اللازمة وتعبئة الإمكانات الإقليمية والقارية لإعطاء مضمون ملموس لمبادىء النيباد وأهدافه.
وإذا كان من الموءكد أن الحاجات متعددة كما أن الإصلاحات اللازمة في المجالات الحيوية الكثيرة جد مستعجلة فإن هنالك إصلاحات تفرض نفسها باستعجال أكبر لطابعها الحاسم والمصيري. وسأكتفي منها بالتطرق لإشكالية الماء التي يواجه خطرها المحدق قارتنا.
إن الماء وهو نبع الحياة يبدو أكثر من أي وقت مضى مهددا بالندرة لأن الحاجة إليه لا تنفك تزداد على مر الزمان في الوقت الذي ينضب معينه. كما أن هذا المورد يتعرض لتقلبات الطقس والنظام المناخي والبيئي التي توءدي إلى فيضانات مهولة ومدمرة ينجم عنها الجفاف الذي يزيد بدوره من خطر التصحر.
وبسبب هذه الاضطرابات تعاني إفريقيا تأخرا هاما في هذا المجال وإنه ليكفي تقديم بعض الأرقام لتقدير الخطورة ذلك أن واحدا من كل إفريقيين هو الذي يتوفر على الماء الشروب. وإن هذه الحاجة الضرورية ستهم 400 مليون مواطن إفريقي في أفق سنة 2015.
إن الاختلالات في التزود بالماء توءثر سلبا وباستمرار على مدن إفريقية كثيرة كما أن من بين 54 مليون هكتار القابلة للسقي حسب إحصاء منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة فإن المساحة المسقية منها لا تتجاوز 12 مليونا.
وبينما تقدر الاحتياجات السنوية لإفريقيا من الاستثمارات العمومية بعشرة مليار أورو إلا أن البلدان الإفريقية جنوب الصحراء لاتمثل سوى 5 في المائة من مجموع المبلغ الذي رصده البنك الدولي للاستثمارات في قطاع الماء.
فخامة الرئيس،
لا شك أن هذا الواقع الموءلم يطرح علينا تساوءلات عدة لما ينطوي عليه من خطورة إذ كيف يمكن تعميم التزود بالماء وكيف تواجه الآثار التدميرية لتقلبات الطقس وكيف يحسن التعامل مع تدبير المياه المشتركة داخل القارة حيث نفتقد التراكمات والممارسات المقبولة من قبل الجميع بسبب اختلاف النظم القانونية.
وأخيرا كيف يمكن تعبئة التمويلات اللازمة لمواجهة كثرة الحاجات في زمن نضوب مصادر التمويل المناسب.
ومما لا شك فيه أن إثارة هذا الواقع قد يشكل مبعثا لنوع من الانشغال الملح ولذلك فإنني أود أن أشيع بارقة أمل تبدد جوالتشاوءم موءكدا لثقتي الكاملة في تضامن الشمال مع الجنوب وفي الإمكانات التي يتيحها التعاون جنوب- جنوب لرفع التحدي الذي يطرحه مشكل تدبير ندرة المياه.
إن سياسة الماء لتعد مجالا للشراكة بامتياز في إفريقيا لأن أنهارها ومياهها الجوفية لاتعرف الحدود الفاصلة.
وهذا ما يقتضي توافقا حقيقيا حول كيفية الاستفادة المنصفة من هذه الثروة التي هي بطبيعتها ملك مشترك ولا يمكن أن تكون مجدية للجميع إلا بتعاون متين قائم على توافق واضح وعلى حد أدنى من القواعد المقبولة من لدن الجميع.
في سياق هذا التعاون فقد جعلت المملكة المغربية من سياستها المائية مجالا للشراكة المثمرة مع عدد من البلدان الشقيقة والصديقة. وهي مستعدة للالتزام أكثر في هذا الاتجاه. ذلكم أن للمملكة المغربية تاريخا عريقا في مجال تدبير المياه يتجلى في امتداده الحديث بفضل عبقرية والدي المنعم جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته. وإذا كانت هنالك من عبرة استخلصها المغرب من تجربته فإنه لا توجد مشكلة يستعصي تذليلها متى توفرت الإرادة الحازمة المنبعثة من روءية واضحة.
وتقديرا منه لتحلي والدي المنعم بهذه الخصال ولأعماله الجليلة في هذا الميدان فإن المجتمع الدولي الممثل بالمجلس العالمي للماء قد أحدث " جائزة الحسن الثاني الكبرى العالمية للماء" التي ستمنح لأول مرة بمناسبة افتتاح المنتدى العالمي للماء بكيوطو يوم 16 مارس المقبل.
إن الانسانية اليوم- أكثر من ذي قبل- تشعر بالحاجة الحيوية لتفعيل روءية كونية ومندمجة لتدبير الماء. ويبدو لنا أن الوقت قد حل بمناسبة برنامج النيباد وشتى الملتقيات المقبلة المتمثلة على وجه الخصوص في المنتدى العالمي الثالث للماء بمدينة كيوطو واجتماع "مجموعة الثمانية " بمدينة إيفيان لاتخاذ مبادرة حقيقية وجريئة وسخية وواقعية تجاه إفريقيا.
إن هذه المبادرة ينبغي أن تتمحور حول العناصر الثلاثة الرئيسية الآتية.. بدءا من وضع سياسات عمومية في مجال الماء وتنفيذها بالالتزام بمتطلبات حسن تدبير الشأن العام، وفي إطار الاعتماد على التعاون جنوب - جنوب وانتهاء بالتمويل عبر إنشاء صندوق دولي للماء لصالح إفريقيا. إن الأمر يتعلق بمشروع جدير بمستوى الصداقة الكبرى التي تجمع فرنسا وإفريقيا.
وإن المملكة المغربية لمستعدة للإلتزام الدائم والكامل بهذا المشروع الكبير. وهي أيضا على استعداد لأن تشاطر كل من يرغبون في ذلك ما استخلصته من نجاحاتها وإخفاقاتها من عبر جاعلة من هذا الإنجاز الكبير نموذجا مجسدا للأخوة الحقيقية والتضامن الفعال.
تلكم أصحاب الفخامة والمعالي سيداتي سادتي المسائل التي أود إدراجها في النقاش الدائر حول مستقبل قارتنا إيمانا منا جميعا بأن الماء يشكل مجالا رحبا وهائلا للتعاون بإمكاننا جميعا أن نلتئم في إطاره بصرف النظر عن القضايا الظرفية ومشاكل الحدود والاختلافات لنتدارس موضوعا قال الله سبحانه وتعالى بشأنه في القرآن الكريم.. "وجعلنا من الماء كل شيء حي" صدق الله العظيم.
فخامة رئيس الجمهورية،
يطيب لي في الختام أن أعرب عن إشادتي الحارة بالتزامكم الشخصي الذي لا تبليه الأيام إلى جانب إفريقيا موقنا بأن فرنسا ستعمل في الاجتماعات الدولية والإقليمية المقبلة عبر أسمى سلطة فيها التي هي صوتكم وصيتكم على الدفاع عن القضايا العادلة لإفريقيا وتبليغ عزمها الراسخ على إنجاح مشروعها للتنمية المستدامة في نطاق الأمن والسلام.
واسمحوا لي أخيرا أن أعبر لكم وللحكومة وللشعب الفرنسي الصديق عن خالص تشكراتي على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة التي خصصتموه لنا وعلى الجهود السخية التي بذلتموها من أجل توفير كل أسباب النجاح لأعمالنا.
شكرا لكم.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته