" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه
أخي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين رئيس الدورة الخامسة عشرة لقمة جامعة الدول العربية،
إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي والسعادة،
يغمرني إحساس مفعم بمشاعر التقدير الاخوي وإلحاح التساوءل الصريح واستشعار جسامة الالتزام بالمسوءولية وقوة الإيمان الراسخ وأنا ألتقي مجددا بكم بأرض الكنانة في هذه القمة التي وإن كانت عادية فإنها تلتئم في ظروف استثنائية وعصيبة جهويا ودوليا.
أما التقدير الكبير الذي أكنه لكم جميعا، فإني أستأذنكم أن أرفقه بأصدق الدعوات لأخي العزيز صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بكامل التوفيق في رئاسة هذه القمة متوجها بخالص الشكر والامتنان لكل من أخي الموقر فخامة الرئيس إميل لحود على الحكمة التي أبداها في رئاسته للدورة السابقة ولأخي المبجل فخامة الرئيس محمد حسني مبارك لحرصه على انعقاد هذه القمة، وتفضله بكريم استضافتها.
وحتى تسفر قمتنا هاته عن تدارك الأمر قبل فوات الاوان فلا مناص من إيجاد أجوبة عن التساوءلات الملحة التي تشكل هاجس كل شعوبنا.. ما السبيل الى بلورة موقف عربي موحد يخدم مصالحنا الوطنية والقومية ويجعلنا نوءثر في مجرى التطورات الخطيرة التي تعرفها منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط ? وهل استخلصت أمتنا العربية من نكباتها التاريخية كافة العبر والدروس التي تمكنها من مواجهة محنة العراق المحاصر وفلسطين السليبة?.
إن خطورة الوضع لا تسمح بالركون إلى موقف التفرج والانتظار أو الاكتفاء بمجرد الاستنكار إلى أن تقع الكارثة. ومن منطلق استشعارنا الجماعي لجسامة الأمانة الملقاة على عاتقنا علينا استنهاض تضامننا من أجل بلورة موقف عربي مسوءول وهادف يقدم اقتراحات وحلولا عملية وعاجلة للأزمة العراقية التي تعرف تطورات متسارعة تنذر بأوخم العواقب على العراق وعلى المنطقة بل وعلى العالم أجمع.
" لقد دقت ساعة الحقيقة معبرة عن إجماع الإرادة الدولية على التحري في مسألة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. ولكي لا تتحول دقات ساعة الحقيقة الى قرع طبول الحرب فإننا مطالبون أكثر من غيرنا بالتحرك الفعال والفوري لدعم التوجه السلمي في تدبير هذه الأزمة والحد من التداعيات المرعبة لوبال الخيار العسكري على الأمن والاستقرار في العالم. كما أن المسوءولية تقتضي منا الوعي بموازين القوى مستحضرين أن ماهو ممكن اليوم قد يصير مستحيلا غدا وأن موءتمرنا هذا قد يكون ءاخر فرصة لانقاذ ما يمكن انقاذه.
لذلك ومع تأكيدنا على أن الحفاظ على وحدة العراق شعبا وكيانا وعلى سيادة وحوزة كافة الدول العربية الشقيقة مسوءولية قومية مشتركة فإننا باعتبارنا جزءا من المنتظم الدولي وحرصا منا على تجنيب الشعب العراقي الشقيق والمنطقة برمتها مآسي الحرب والدمار نهيب بالعراق الى مواصلة التعاون المطلوب مع فرق التفتيش الأممية. وإننا لندعو كل الأطراف الى التحلي بالحكمة والتبصر، والمضي قدما في التعامل الايجابي مع قرار مجلس الأمن رقم 1441 وعدم ادخار أي جهد لترجيح الخيار السلمي كأفضل نهج لبلوغ الاهداف المنشودة وضمان الأمن والاستقرار لهذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية والحيوية.
وبدل خيار الحرب الذي من شأنه تأجيج صراع الجهالات وإحداث شروخ بين الحضارات فإن الالتزام بالخيار السلمي للشرعية الأممية والحوار والتفاوض من شأنه تعزيز مساندة المجتمع الدولي لمطالبنا العادلة بتحرير الأراضي العربية المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وذلك ما لم نفتأ نعمل من أجله بصفتنا رئيسا للجنة القدس الشريف إيمانا منا بأن انشغالنا البالغ بالمسألة العراقية لن ينسينا مأساة الشعب الفلسطيني الشقيق، التي تظل جوهر النزاع في المنطقة.
" كما أن انشغالنا بالقضايا السياسية على أهميتها لاينبغي أن يحجب عنا ضرورة ايجاد استراتيجية تنموية عربية مشتركة بآليات عمل فعالة قد لاترقى الآن الى مستوى موءسسات الاتحاد الأوروبي ولكن بإمكانها الاقتداء بمبادرة النيباد الإفريقية.
إن العمل العربي المشترك يحتاج الى المنهجية العقلانية التي لا توفرها الآليات الحالية. وهذا ما يتطلب مراجعة عميقة لميثاق جامعة الدول العربية ولموءسساتها. كما يتعين عدم الاقتصار على التعاون الحكومي بل الانفتاح على الموءسسات المنتخبة والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص وغيرها من الفاعلين دعما للعمل التكاملي الذي تقوم به بعض التجمعات الإقليمية العربية وإقامة فضاء اقتصادي حر وموحد يكون عمادا لانبثاق سوق عربية مشتركة كما يطمح الى ذلك إعلان أكادير.
ويطيب لنا في هذا السياق أن ننوه بمبادرة أخينا المبجل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة الهادفة لصياغة ميثاق متكامل لإصلاح وضع أمتنا العربية.
كما أننا ندعو مجددا لتحديث وتفعيل العمل القومي المشترك بما يكفل تحصين الجسد العربي المنهوك بالنزاعات المفتعلة التي تدفع شعوبنا ثمنها غاليا. وإني لأناشدكم باسم الشعب المغربي الغيور على وحدة الأمة ومناعتها.. كفانا.. تمزقا وتفككا. فقد آن الأوان لرأب الصدع ولم الشمل وإنجاز الاندماج الاقتصادي الذي هو الأساس العصري المتين لكل تكتل جهوي دولي.
وإن لنا في حلول الذكرى الخالدة للهجرة المحمدية موعظة إلهية مفادها أن أداء أية رسالة أو أمانة عظمى رهين بالتضحية ونكران الذات والحفاظ على الجوهر والمصالح العليا للأمة وتعديل المسار بما تقتضيه الضرورة. تلكم سبيلنا إلى التفاعل الدائم مع المستجدات والاستجابة لما تصبو إليه شعوبنا من وحدة وعزة وتقدم. والله ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".